من الجدير بالذكر أن الحديث عن المدرسة الخلدونية العمرانية إنما يعبر عن امتدادات تتعلق بتواصل هذه المدرسة زمنًا وأفكارًا؛ سواء تعلق ذلك بالتملذة المباشرة لابن خلدون أو غير المباشرة حينما يُهتَم بهذه المدرسة موضوعات وقضايا من جانب ومنهجية نظر وتعامل وتناول من جانب آخر.

وفي هذا المقام تبدو لنا أهمية ذلك الإعمال لآلية الاستدعاء لموضوع بعينه؛ ألا وهو بناء مقياس الفساد عند بن خلدون وامتداد زمني لهذه المدرسة؛ إذ يقدم بن خلدون مجال الريادة الفكرية بينما يشكل الأسدي مجال التلمذة المباشرة لابن خلدون، فإن الحكيم البشري يمثل عنصر امتداد وتواصل مع هذه المدرسة.

عملية الاستدعاء هذه لا تقتصر على هؤلاء وإنما تنتشر لتجمع بين عناصر تمثل شبكة الإسنادات المرجعية (الشاطبي، ابن خلدون، الأسدي، المقريزي، الخيامي، الكواكبي، مالك بن بني، الحكيم البشري وغيرهم) ممن يسهمون في وضوح هذه الفكرة التي نحن بصددها؛ ألا وهي الإسهام في معمار وبناء مقياس للفساد.

واقع الأمر أننا أمام إمكانيات- قياس الظواهر السياسية من خلال أدوات للقياس مقننة ومتدرجة، وتبدو في الحياة السياسية ظواهر بالغة الأهمية تظل في حاجة إلى قياسها يقع على رأسها الفساد؛ إذ يتناول موضوع قياس الفساد -ليس فقط معنى القياس أو طبيعته- وإنما كيفية بناء المقاييس وتحديد أوجه النقص والأخطاء التي تقع في القياس وكيف يتسنى للباحث تفادي أو تجنب وقوعها؟

أما عن طبيعة القياس للفساد فإنها ترتبط في أهم أعمدة تشييد المقياس بفكرة التعريفات الإجرائية التي تمثل إجراءات فعلية للقيام تقوم بالربط بين مستوى التعريف النظري من جانب ومستوى التعريف الإمبريقي أو الواقعي الذي يمكن ملاحظته بالاختبار والمشاهدة من جانب آخر..