نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 22 يونيو 2013
نقصد بصدام الجهالات اختفاء الحس السياسى وعدم اعتبار المآلات المترتبة على الأفعال والقرارات، كما تعنى كذلك افتقاد المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات وتحديد الخيارات، كما يعنى كذلك التعصب الكامن بتبنى المواقف على قاعدة من اعتقاد أى طرف أنه يملك الحقيقة المطلقة ولا معقب على اختياره أو موقفه أو قراره، بين هذه الكلمات الأربع المفتاحية يولد ما يمكن تسميته بصدام الجهالات.
حركة المحافظين الأخيرة تعد مثالا لما يمكن تسميته بالصدام حول قرارات فى اختيار المحافظين، وتعطى التكأة تلو التكأة للقيام بمعارضة تتنامى وتتحرك صوب هذه المفاصلة العجيبة والانفصال عن واقع الشارع ونبضه وأحاسيسه، إن اختيار محافظ للأقصر رغم تحفظ الجماعة الإسلامية ذاتها على ذلك إنما يتطلب حقيقة كشف العناصر التى أدت إلى هذا الاختيار والاستنادات والمبررات والدواعى التى استند إليها صانعو القرار، وكان من الممكن أن يقوم صانع القرار بخيار التأجيل باعتباره الأمثل حتى لا نضيف إلى مادة الفعل الاحتجاجى مزيدا من التراكم والاشتعال.
كذلك فإن القرار الذى تعلق بالحالة السورية وفى هذا التوقيت وضمن حسابات سياسية ضيقة لا نستطيع إلا أن نتحفظ عليه وعلى طريقة إخراجه وعلى المناسبة التى أعلن فيها القرار بقطع العلاقات مع النظام السورى، فبدا القرار يُتخذ مع إمكانات انفراج يمكن أن تحدث بعد تغيير فى السلطة بانتخابات حدثت فى إيران فى الأسبوع الماضى.
ويعتلى سدة الحكم رجل من الإصلاحيين تستطيع مصر أن تحيى المبادرة الرباعية مرة أخرى ضمن متغيرات عدة يمكن أن تشكل قابلية لعملية الإحياء، فضلا على ذلك فإنه من الضرورى الحديث عن حال العاملين المصريين فى سوريا وما أحاط بهم من مخاطر نتيجة اتخاذ هذا القرار.
وكذلك فإن المعارضة تمارس ذات الموقف فى الافتقار إلى الحس السياسى فى إطار التعامل مع المواقف التى تتعلق بمسائل الأمن القومى، من مثل هل يجوز لأطراف من المعارضة أن تعبر عن اعتراضها على من يتخذ القرار؟ أو عدم رضاها عن الأداء السياسى للرئيس ومساعديه خصوصا فيما يتعلق بمسألة الأمن المائى أن يقوم أحد أقطاب المعارضة بالاعتذار لإثيوبيا بحيث يتخذ موقفا يتخطى الحدود القومية وأصول التعامل السياسى بين المعارضة والخارج.
أليس ذلك سوء تقدير فى التعامل مع السياسى يعبر عن حقيقة كبرى وهى افتقاد هذا الحس والقدرة على ابتناء موقف سياسى على قاعدة من معلومات يمكن أن يستند إليها؟ وفى إطار عملية ثأرية ليس لها من حسابات سوى إظهار فشل الأداء السياسى من دون عمل حساب لإضعاف الموقف المصرى فى حالة تحتمل التفاوض على إشكال يتعلق بسد النهضة والأضرار المترتبة عليه.
وهل يمكن فى هذا الإطار تبرير الخيار من مجموعة تدعى الثورية وحمايتها للثورة فتقع فى براثن التحالف مع الفلول أى التحالف مع الثورة المضادة الظاهرة؟ وفى إطار يبرر هذا الموقف أنه لابد لنا أن نجتمع ضد الإخوان كموقف استراتيجى فيؤدى ذلك إلى موقف شديد الخطورة على الثورة ذاتها، ماذا يعنى كل ذلك إلا افتقادا للحس السياسى وعدم اعتبار المآلات المترتبة على المواقف والأفعال.
أبعد من ذلك قد تقوم المعارضة باستدعاء غير مبرر للجيش المصرى ليقوم بدور انقلابى يعبر عن ضحالة المعلومات حول معانى الليبرالية ومتطلباتها، وكذلك تناسى القواعد الأساسية فى تشكيل العلاقات المدنية العسكرية وضبط إيقاعها.
وفى هذا المقام فإننا نشير كذلك إلى افتقاد الرؤية الاستراتيجية لمن هم فى السلطة تتعلق بطريقة الحكم وطرائق صنع القرار فلا تملك السلطة إطارا عاما لتفعيل سياسات عامة حقيقية تؤدى إلى النهوض بحال المواطن البسيط والاستجابة لضروراته ومتطلباته.
كذلك فإنه على الجهة المقابلة من معارضة وصلت من خلال معارضتها العبثية بأن تبنى على قاعدة من مواقف مرسلة فى التعامل مع الموقف برمته فى سياقات تتحدث على ضرورة إسقاط الرئيس وإسقاط الدستور وإسقاط كل شىء من غير أن تكون هناك خطة بديلة تؤصل لمعنى الاستقرار والاستمرار.
هل من الممكن فى ذلك السياق التعامل مع هذا الشأن وبهذا الشكل فى مستقبل وطن يمكن أن تطاله حالة من الفوضى وفتح بوابة العنف التى لا يمكن التحكم فيها وإحداث حالة من الفراغ السياسى فى حتى لو اخترعت مسائل خارج إطار الاحتكام إلى الشرعية والدستور، إن دوامة التنازع على الشرعية إلى هذا الحد لا تأمنه سلطة أيا كانت تلك السلطة وتعبر عن حالة مستمرة من الفرقة التى تهيئ المناخ للفوضى.
إن مشاهد عدة بدأت تبرز للعيان فى اطار الدولة الرخوة أو عدم وجود الدولة فى أحداث كثيرة أصبحت تدل عليها قطع الطرق والاعتصامات واختفاء الأمن حيث يجب أن يوجد وغير ذلك من أمور تؤدى إلى حالة من الفوضى تختفى فيها أجهزة الدولة ولا تقوم بأدوارها الحقيقية، وفى يوم 30 يونيو يخطط البعض وبشكل عبثى أن يكون هذا اليوم بلا دولة، لن يستفيد منه بأى حال من الأحوال سوى الفلول والثورة المضادة والبلطجية ومن يريد أن يمارس أى شىء خارج إطار القانون.
وفى هذا المقام فإننا أمام صدام للجهالات ليس فقط بجهل المواقف ولكن بجهل المآلات والمترتبات عليها حينما يبدو للعيان أن قطارين يسيران وبشكل متقابل على قضيب واحد بأقصى سرعتهما، وكل يتمسك بموقفه من دون اعتبار لدماء ستسيل وشهداء سيقعون، «أليس فيكم رجل رشيد؟!» ينزع الفتيل حتى لا يحدث هذا الصدام؟! هل من الممكن لمن يقود كلا القطارين أن يتخذ القرار الرشيد قبل هذا الصدام الرهيب الذى لا أراه إلا صداما للتجاهل والجهالات.