نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: السبت 30 مارس 2013

فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وفى مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات كانت الجلسة الأخيرة فى ندوة مهمة حول «الأدب والسلطة»، وفى ختام هذه الندوة كان عرض فيلم حول «شهيد الأزهر» «الشيخ عماد عفت»، وكان الحديث ذو شجون، بدا البعض منفعلا، والبعض باكيا، والبعض متأملا، وفى كل الأحوال خيم على الحاضرين معانى افتقاد الثورة، وكأنهم قد فقدوا الثورة، كان من المهم ونحن نسترجع حدث الشهادة للشيخ العالم العامل، للشيخ المجاهد المكافح، لرمزية الشيخ فى الثورة المصرية أن نؤكد على ضرورات استمراريتها والتمسك بها والحفاظ على مطالبها، والتأكيد على أهدافها.

بدا الأمر من العروض والمداخلات وكأن الثورة تشكونا، وأحسست من جملة هذا المشهد الانفعالى أن الثورة قد دخلت علينا قاعة الندوة مطالبة بالمداخلة وبدت باكية وشاكية، وبدأت بمداخلتها حاملة ضمن ما تحمل دماء الشهداء الذى يتمثل فى دماء «شهيد الأزهر» كأجلى ما يكون للتعبير عن حالة غضبها، وطفقت تتحدث عن نفسها.

أنا الثورة.. انطلقت فى الميدان ومن الميدان وفى ميادين مصر كلها جمعتكم فى الميدان الذى اتسع لكل من أتى إليه من كل صوب وحدب، اجتمعتم فى الميدان على قاعدة من المطالب، اجتمعتم لتمثلوا التيار الأساسى فى مصر فى جوهره ومكوناته والجماعة الوطنية فى تماسكها وفى لحمتها، بدا الميدان يدا واحدة يتحرك صوب مطالب واحدة يحملها الجميع فى شعار جامع يحمل معنى العيش الكريم والحرية الأساسية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتمثلت كل أساليب السلمية لأعبر عن مسار لا أغادره مؤمنة بكل معانى (ما أنا بباسط يدى لأقتلك).

أنا الثورة فى جامعيتها، أنا الثورة فى سلميتها، أنا الثورة فى مطالبها، أنا الثورة فى صناعة الأمل وصناعة المستقبل، أنا الثورة أتحرك صوب مصر الجديدة ووطن جديد وتعاقد مجتمعى سياسى جديد، أنا الثورة كفيلة بخصومى مهما تعددوا ومهما ترصدوا ولكن ويا أسفى!!، أُطعن من أبنائى وينقض على إخوانى، أين شبابى الذين أطلقوا شرارتى واحتضنهم شعبى وسقط من عنفوانى طاغية مصر الأخير، أهذا هو الشباب الذى اجتمع ليقوم بثورته فإذا به يتشرذم وتتفرق قواه بين الفصائل والقوى، تتنازعه كل الأطراف وتقتنص منه ما تشاء، وتجعل من نظرته الحزبية الضيقة والرؤية المتعصبة مدار فعله وأقواله، حتى بدا هذا الشباب كأداة لهذه القوى تستخدمها فى التنابذ فيما بينها فى إطار صراع سياسى لا يعرف مداه ولا تعرف له نهاية، تقدم الشباب وهو يتساقط على الأرض فى الثمانية عشر يوما كوقود لثورة كبرى، وسقط الشباب بعد ذلك كقرابين للقوى السياسية كل منها للأسف الشديد يتنابذ بالأموات ما بين موتانا وموتاهم، وقتلانا وقتلاهم، الشباب الذى قاد صار ينقاد والشباب الذى أطلق شرارة الثورة صار يدفع دفعا فى ميادين الاحتراب السياسى الفعلى والقولى، أيعقل والشباب الذى يشكل وقودا لثورة يناير ويشكل أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل أن يتحكم فيه أصحاب الشعر الأبيض بدعوى الحكمة، ومن مدخل الحكمة يمارس هؤلاء أقسى درجات التحكم، أتتحكم المومياوات فى استشراف المستقبل لمصر الجديدة؟، أتتحكم القوى القديمة التى لم تعرف إلا أشكال تعامل أجادتها فى ظل نظام قديم تعمل وفقا لآليات النظام البائد، وتتحرك فى صندوقه وسقفه وأفقه؟، أيتحكم الشعر الأبيض فى المشهد السياسى ويتوارى شباب المستقبل؟ الكل يتحدث باسمه والكل يدفعه للخلف، فقط يصدرونهم فى مظاهرات الموت فى ميدان تجارة العضلات ويتقدمونهم أمام الكاميرات فى البرامج والمؤتمرات، أيعقل أن يتحدث فى مؤتمر المرأة أشخاص فوق السبعين وعلى أعتاب الثمانين، يتحدثون عن المستقبل وأصحاب الهم يتوارون، ما هذا الذى يحدث؟ كيف تحكمون؟.

ألستم أنتم من اجتمعتم فى الميدان تقيمون حقائق الثورة وتقدمون المطلب تلو المطلب لتعبروا بذلك عن وحدة متماسكة؛ ما هذه الفرقة التى أشهد؟ ما هذا الانقسام الذى أرقب، ما هذا الاستقطاب الذى شاع وذاع؟ ما هذه الفوضى التى أراها فى جوف كل حدث؟ والعنف يتولد من بطن الاستقطاب ومن مداخل الفوضى والانفلات الذى ساد وانتشر؟ أأردتم بفعلكم ذلك أن تؤكدوا مقولة المخلوع حينما حذر هذا الشعب وخيّره بين حكمه وبين الفوضى؟ أأردتم أن تعطوا المسوغ تلو المسوغ لكل من كان يؤكد أن الثورة ستتحول حتما إلى فوضى، ألم تكتبوا بفعلكم ما لم أفعله فشوهتم صورتى وامتهنتم قوتى وأهنتم عزتى وأهدرتم مطالبى وغايتى.

تكلمتم جميعا باسمى وصرتم فى نهاية المطاف طرف يخوّن وطرف يكفّر واعتقدتم أن الاستقطاب هو المعنى الوحيد لممارسة عمياء بلا بصيرة، كسيحة بلا فاعلية، ألا سحقا لاستقطاباتكم! ألا سحقا لانقسامكم! ألا سحقا لتنابذكم وعنفكم!.

 أما كان أمانى وتمكينى فى رئاسة منتخبة تجمع الناس، وتلملم المتفرق وتصنع التوافق، وتقدم الأمور بميزان حساس يقوم على قاعدة من الشراكة، والإيمان بالوطن ومصالحه العليا وتياره الأساسى وجماعته الوطنية، وبثورته المجيدة لصناعة مصر الجديدة، أليست المعارضة فى عرف الثورة أنها إضافة إلى الوطن تقدم البدائل وتصنع الوسائل وتقدم كل ما يبنى مصر يدا بيد فى محاولة لتحقيق ثمار هذه الثورة، فإذا بها بدلا من ذلك تنغلق وتتصلب وتمارس أقصى درجات المراهقة وأقسى أفعال المكايدة.

ونسى من وصل إلى سدة الحكم أنه وصل إلى ما وصل إليه بفعل ثورة شارك فيها الجميع، فكان الأحق به أن يعمل فى الجميع، لأن مصر أكبر من أى فصيل، وحينما اجتمعتم جميعا انتصرتم على النظام الفاسد والمستبد البائد، ونسيتم أن الكبير فى القوى السياسية لابد وأن يتصرف كبيرا، ولم يعرف بعضا من هؤلاء أنه إذا اجتمعت علينا المشكلات فلنجتمع نحن للمشاكل وأن مصر باتساعها أكبر من أى فصيل تستوعب ولا تُستوعب، وأن الجماعة لابد وأن تكون للوطن وليس وطنا للجماعة، وأن الأغلبية والغلبة والتغلب ليس هو المنطق الذى يحفظ الثورة ويحمى الوطن وليس منطق الاستفادة المباشرة من هذه الثورة والاستحواذ على عطاءاتها، ومن الواجب أن يفهم هؤلاء أن قانون الحياة السياسية فى مرحلة الانتقال غيره فى مرحلة الاستقرار، وأن قانون التوافق هو الأسلم والأصوب، وليس قانون التغالب والتحارب، إن المشاركة فى صنع القرار والخيار إنما يشكل الحقيقة الكبرى لأن نحمل جميعا حق الثورة من غير استغناء أو استعلاء.

ألا ترون أنكم جميعا قد ضربتم مشروع الجماعة الوطنية فى مقتل، وكان من أمل وعمل هذه الثورة أن تضع هذا المشروع فى مقامه ونصابه لتؤكد على الحفاظ على التيار الأساسى للأمة، وكيانها الحضارى الذى يحفظ الثورة والوطن والدولة، وأكثر من ذلك تحدثتم جميعا ومن دون استثناء وملأتم الدنيا ضجيجا عن تمكين الشباب وأنتم تهمشونه، قتلتم الأمل فيه وتركتموهم أشلاء، فكيف بالله عليكم نلملمهم من جديد لبناء مستقبل جديد.

ألا إنكم فى غمرة استقطابكم وصناعة فوضاكم وممارسة عنفكم، افتقدتم بوصلة الثورة فوضع بعضكم يده فى يد من يقوم بهدم الثورة ولا يريد بها خيرا، ولم تتوقفوا أمام كلمة من قاد الثورة المضادة حينما أكد أن ما يقومون به ليس إلا ثورة على ثورة، أفيقوا!! يا من لكم مصالح فى هذه الثورة أهدافا واستمرارا، أم أصبحتم فى غفلة ولم تعودوا تدركون العدو من الصديق، ألا تميزون بين من يهدف إلى تقويضى أو الالتفاف عليّ ومن يقصد بناء الثورة والحفاظ علىّ. شوهتمونى بأفعالكم..وجعلتم من يترحم على أيام المخلوع، أسميتم أنفسكم نخبة وماأنتم بنخبة، وسميتم بعضكم ساسة وما أنتم بساسة، وقمتم بكل عمل ينقض الثورة وينقض أهدافها، كنا نتحدث عن حماية الثورة فأصبحنا نتحدث عن حماية الوطن، فأين أنتم من حماية الوطن والثورة؟! الثورة منا وبنا فأين نحن منها؟ الثورة تشكونا!

أنا إن قدر الإله مماتى      لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى

حفظنى الشهداء، فهل ضيعنى الأحياء؟! فمتى يكون الأحياء شهداء بحق؟! وكيف يكون الشهداء أحياء بحق إلا بالقصاص الحق؟ «ولكم فى القصاص حياة».