
نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 5 يناير 2013
نبَّه مجلس أمناء المؤتمر المصرى ومركز الحضارة للدراسات السياسية إلى ضرورات «تمكين نخبة جديدة»، أنقل لكم خلاصة هذه الرؤية وهذا النقاش، وبناء على الواقع الذى آلت إليه الأمور فى مصر فى نهايات العام 2012، من انقسام سياسى وإعلامى، وخطر اقتصادى، وتململ مجتمعى، وضعف حكومى، وتآكل فى روح الثورة وتعرض أهدافها للالتفاف عليها بفعل الصراع السياسى، وعودة فلول النظام السابق لممارسة دور تأجيجى وتهييجى ضد مصر ــ الدولة الجديدة، وانعكاس ذلك كله على الملفات الخارجية.. بناء على هذا، وطلبا لعمل استراتيجى يستوعب تحديات اللحظة، ويتجاوزها إلى تحديات السنة المقبلة والتحضير لمواجهتها بما يكافئها من رؤية وحركة لاستشراف عام جديد..(مصريون من أجل مصر 2013).
مقومات هذا فريق مصرى وطنى متعدد المشارب والتخصصات يجتمع تحت راية (مصر سفينة الوطن الوطن والمصير الواحد)، رؤية وطنية متصالحة من الجميع ومع الجميع، وإصلاحية جذرية فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، رغبة فى العمل من أجل استقرار الوطن والسلام الاجتماعى من أجل النهوض بأيدى الجميع، ونجاح الثورة، وقدرة على التواصل مع فرقاء متعددين من أجل الحوار والتقارب، وترشيد الرأى العام بصالح الوطن.
ومن أهم الأهداف الخروج من حال الاستقطاب وما ترتب عليها من احتقان وطنى سياسى ومجتمعى، وتدارك الأزمات قبل استفحالها، ونقل الحالة المصرية من الصراع السياسى الهدام إلى التدافع البناء فى قضايا الوطن الحيوية وساحات ومساحات التنافس السياسى، وتوجيه القوى والفعاليات المختلفة نحو «أولويات العمل الوطنى» وخاصة ما يتصل بالمواطن، وترشيد عمليات استكمال وبناء مؤسسات الدولة والمجتمع: البرلمان، الرئاسة، القضاء، الإعلام، وغيرها؛ وخاصة بعد إقرار «الدستور»، تقويم العمل الذى تقوم عليه الدولة والمجتمع؛ ومعاونة الرأى العام للتأييد أو المعارضة، التمكين للشباب والتعاون فى تأسيس نخبة سياسية ومجتمعية جديدة.
وأهم آليات تنفيذه ذلك، منصة حوار وتفاوض وطنى لحل الأزمات المستحكمة والبحث عن بدائل مشتركة وفعالة، وتوجيه «خطاب النصيحة» للقوى السياسية والمجتمعية كافة فى المواقف والمشكلات المختلفة، وخط إعلامى لصناعة الوعى وصياغة المشترك الوطنى المصرى الفكرى والسياسى والاستراتيجى، وتطوير رؤى إعادة البناء فى: المجال السياسى، الثقافى، الاقتصادى، المجتمعى، الخارجى، والتواصل المؤسسى مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمبادرات والفعاليات على تنوعها وامتداداتها، والدراسات العلمية للمشكلات لرفع الواقع والإعلام به، وطرح البدائل والحلول.
محوران لهما الأولوية، تخفيف حدة الصراع السياسى، والقضاء على مداخل العنف فى إطار تعزيز المراجعات الفكرية والمصالحة المجتمعية وترشيد سجال الهوية والمرجعية وتوظيفه وطنيا، وتعزيز استكمال مؤسسات الدولة بما يمكن دولة القانون، ويصاحب ذلك دائرة مكملة لتعزيز ملف التطهير فى مؤسسات الدولة والمجتمع، وملف العدالة الانتقالية، وتعزيز ملف العدالة الاجتماعية، وتعزيز ملف وحدة الجماعة الوطنية، وتوسيع المشاركة فى بناء السياسة الداخلية والخارجية المصرية.
كل ذلك من خلال تحريك منصة الحوار والتفاوض فى لقاءات مع القوى السياسية والمجتمعية لتطوير قواعد المشترك الوطنى، واستخلاص خرائط الألغام السياسية والمجتمعية وآليات التقارب، وتطوير خطاب «الإنذار والتحذير من العنف ومصادره ومثيريه،وتطوير رؤية قانونية ضد «الفعل السياسى العنيف»، «ملف الشهداء والمصابين»، وفتح محطة ومنصة تثقيف وتعريف بآليات المعارضة السياسية السلمية وفنونها، وتطوير حوار تعميق فكر المرحلة للتيارات السياسية المصرية، وتطوير وتقديم رؤية إعادة بناء المجال السياسى وإدارة حوار واسع حولها.
تعزيز استكمال مؤسسات الدولة فى إطار رؤية واضحة للآليات والممارسات، خطاب النصيحة لمؤسسات الدولة والرئاسة حول ترتيب أوضاعها وإعادة تأسيسها وعملية صناعة القرار الرئاسى والحكومى، وتطوير حوار حول «المؤسسات الحزبية» فى مصر ومستقبلها ودلالتها بالنسبة لمستقبل المعارضة، وتطوير وتقديم رؤية إعادة بناء مفهوم السياسة وبناء الأحزاب المصرية وبناء رؤية جديدة للمعارضة وأدوارها فى الحالة الثورية، تطوير وتقديم رؤى ودراسات حول إصلاح المؤسسات والسياسات (مؤسسات المفاصل)، وإتاحة منبر لحوار حول «الدستور المصرى»: ما له وما عليه، وترسيخ ثقافة مستديمة تؤسس لعقد سياسى ومجتمعى جديد عقد للحياة ومعاش الناس، وفتح حوار حول البرلمان القادم وما يتصوره الجميع بخصوصه من قواعد بنائه وعمله وفى إطار يؤكد على صناعة برلمان الثورة أدوارا ووظائف، وتطوير خطاب مؤسسى وجماهيرى حول (عناصر دولة القانون) وضرورة الالتزام بها.
أهم رافعة من روافع هذه المبادرة «استراتيجية تمكين النخبة المصرية الوطنية الجديدة»، النخبة هى القيادة العامة والواسعة للمجتمع، منها النخبة الحاكمة، والنخبة السياسية، والنخبة الثقافية أو المثقفة، والنخبة الاقتصادية، والنخب المجتمعية، والنخبة الدينية، والنخبة العلمية، والنخبة الفنية.. وهكذا، فكل مجال يصدر نخبة داخله، ومع التفاعل بين المجالات يتحول بعض النخب القطاعية إلى نخبة عامة تتجاوز حدود المجالات.
وغالبا ما تأتى النخب على مقاس المجتمعات والنظم السياسية والحاكمة، ففى النظم الاستبدادية، تتشكل النخبة على مقاس المستبد ومنظومته، وتراها بين مستبد تابع، أو ممكّنٍ للاستبداد، والنظم الشائخة تنتج نخبا شائخة، لا فى العمر والسنين فقط، ولكن فى الفكر والحركة أيضا. والمجتمعات الصحية تنبت نخبا صحية، والمجتمعات التى يصيبها الخبث ثمرها ليس إلا الخبث والنكد، يقول ربنا: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا).
ولقد أفرز نظام ما قبل ثورة يناير 2011، نماذج من النخب الشائهة التى تسمى كذلك تجاوزا، نخب زائفة، ونخب منظرة للاستبداد وحارسة له تنتج مفرداته وتسوقها وتسوغها، ونخب التنويم المغناطيسى، ونخب آثرت النهب ضمن نظرية «الاعتماد المتبادل للفساد»، ونخب الدولة العميقة بعلاقاتها الإقليمية والدولية المشبوهة.
وإذا كانت أولى ثمار الثورات استبدال النخبة، فقد أسفرت الثورة ــ ونتيجة لطبيعتها الخاصة ــ أن تسنم سدة الأمر نخب نشأت فى أجواء النظام السابق، وإن كانت معارضة ومناقضة له، لكنها لم تتمكن من كسر «الإطار» العام للتفكير السياسى الذى ساد هذه الحقبة، ولم تتمكن من تفكيك منظومة الصراع السياسى المنغلق فيما بينها، وحيل بينها وبين تأسيس كوادر قادرة على الإدارة والتخطيط والتنفيذ، وداخَلها كثير من قيم الانتهازية والاستئثار ولو على حساب الوطن ومصالحه الحيوية والحقيقية.
ومن هنا وجبت العناية بالأجيال الجديدة وفى إطار من العدالة الجيلية، ووجب العمل الجدى من أجل غرس بذور نخبة مصرية جديدة فكرا وأدوارا، راشدة فاعلة، منطلقها الوطن باتساعه، وأفقها الإنسان بجامعيته، تحتكم إلى القيم وتجعل دينها قيما، تفكر بحزم، وتعمل بعزم، ولا تنفك حتى تنال ما تقصد، ثلة أو قلة من القادة ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، يحفظون الراية، ولا يرجعون حتى يبلغوا الغاية. وبناء عليه تأتى الدعوة إلى (تمكين نخبة وطنية جديدة لتقدم مصر)، وهذه النخبة تبدأ من التأسيس السياسى والثقافى والفكرى للنخبة القائدة، وتتسع لسائر النخب المجتمعية والثقافية والدينية والاقتصادية والعلمية المساندة والمكملة.
ويمكن تصور استراتيجية تهدف إلى الدفع بأعداد من الشباب الوطنى الثورى المتنور، المؤتمن على هوية مصر، المعتنق لقيمها ومبادئها، الراعى لسلامتها وتقدمها، العامل من أجل اجتماع الكلمة وترشيد الحركة واستقلال الإرادة، وتقدم الأمة: ثقافة، وإنتاجا، ورسالة، والدفع به لتحمل مسئولية قيادة الوطن: دولة ومجتمعا، بقوة وأمانة يحمل للوطن ميثاق الميدان بمنظومة قيمه وفعاليات حركته وأصول جامعيته.
لابد لمصر ان تنهض من كبوتها وتتجاوز عثرتها وتنتقل إلى معركة البناء وتحدى التقدم ونهضتها، بعبقرية مكانها ومقامها ومكانتها، مصر تبنى بأبنائها خاصة شبابها، لتحمى كيان وطنها ومكاسب ثورتها.. فالجميع ينتظرون مصر المكانة بعد مصر الثورة، والجميع «مصريون من أجل مصر».