نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 11 أغسطس 2012
فى المقال السابق تحدثنا عن «القوم» على سفينة الوطن بشعبها وقواها السياسية وشبابها وبأهل مصر جميعا وفى إطار مقتضيات مصلحة الوطن ومنطق الجماعة الوطنية التى تجد مناطها فى لحمتها وتماسكها.
واليوم نتحدث عن كلمة ثانية فى هذا الحديث النبوى «كمثل قوم استهموا على سفينة»، اليوم نقف عند هذا الفعل «استهموا» (شركاء فى الوطن) والذى يشير فى سفينة الوطن إلى ما يمكن تسميته بالشراكة الوطنية.
وقبل أن أشرع فى بيان ذلك مرتبطا بالثورة المصرية العظيمة على أن أتوقف عند شخصية وطنية مرموقة، تمارس العمل السياسى باقتدار مسكون بالإخلاص إنه الإعلامى الكبير الأستاذ «حمدى قنديل» الذى كتب مقاله البليغ «أنعى إليكم الشراكة مع الرئاسة»، وظن البعض أن هذا الموقف الذى عبر فيه عن رؤيته للتشكيل الوزارى والحكومة مشيرا إلى ولادة عسيرة لذلك والتى كانت فى بعض الأحيان عشوائية وهو ما رتب عليه «نعى الشراكة مع الرئاسة» ــ أنه موقف مفاصلة ومفارقة، ولكننى فى اجتماع القوى السياسية مع الرئيس بشأن أحداث رفح وجدته يلبى دعوة للتشاور بصدد هذه الأحداث التى فجعت فيها مصر كلها،وتصادف أن جلست بجواره يتحدث عن مقتضيات الدور الوطنى ومتطلباته.
من الواجب أن نتوقف عند مفهوم «الشراكة الوطنية» الذى عبر عن طاقة وفاعلية لا تقتصر فيه على حدث بمفرده ولكن تتعامل مع كل الأحداث كل حدث بحسبه، فإن الإحسان لا يقابل إلا بالإعانة، والتقصير لا بد أن يقابل بالتقويم والتقييم.
بروح وطنية خالصة قسا الأستاذ حمدى قنديل فى الرأى والرؤية، وبروح وطنية خالصة أقبل ليعبر بذلك عن رسالة وطنية لكل صاحب عقل وهو ما يدفعنى إلى الحديث عن مقتضيات الفعل «استهموا» فى هذا الحديث تعبيرا عن الشراكة الوطنية الدائمة والشراكة المؤسسية التى ترتبط بأدائها وقدراتها بين شراكة استراتيجية وطنية لا تموت ولا تنعى وبين أشكال الشراكات التى يمكن أن تتعثر أو تتوارى أو تضعف.
أيها السادة «الشراكة الوطنية» لا تموت ولا تنعى، لأنها ترتبط بالوطن، الوطن لا يموت لأن مصر الكنانة لن تموت، وأشكال الشراكات: الشراكة مع الرئاسة والشراكة السياسية والشراكة المجتمعية قد تتغير فى تجلياتها، تمثل فيها الشراكة مع الرئاسة أحد أشكالها، الشراكة مفهوم استراتيجى ثابت وأشكالها وآلياتها متغيرة متبدلة، تطرأ عليها أحوال من ضعف ومن قوة ومن تعثر وفاعلية.
الشراكة هى بحث فى المشترك، هى حالة فاعلة من المشاركة والتشاركية، هى عناصر وأطراف «يعبر عن مفهوم الشريك» شراكة فى الرؤية والفعل والمسئولية، تتضمن عملا يؤصل معانى التعدد والقدرة على إدارته، شراكة فى تقاسم المعلومات وإبداء الآراء ضمن أبعاد تفاعلية، «الجبهة والشراكة» رسالة اتصالية تقوم على قاعدة من المصلحة العامة الوطنية، وهى بذلك ليست موقفا عابرا أو حالة استثنائية، وهى عملية تعاقدية واستراتيجية تميز فى ذلك بين أصول التعاقد فى حده الأدنى الاستراتيجى وبين قضايا ثانوية يثار حولها النقاش ويسعى فيها إلى التوافق ما أمكن، نتبع فى ذلك من الآليات والوسائل المؤدية للتماسك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ليس من مهام الجبهة «نعى الشراكات» بل إحياؤها فى أشكال جديدة وفاعلة، تشاركنا فى الجبهة واتفقنا فى الموقف الأساسى واختلفنا وتنوعت الرؤى السياسية الجزئية.
الشراكة تعاقدية تشير إلى دستور السفينة وشراكة مجتمعية ممتدة تحرك تنوعاته نحو التكامل والتماسك، وشراكة مؤسسية بين كيانات تتعاون وتتكافأ وشراكة مواطنية بحكم التشارك فى الوطن والعيش الواحد المشترك، والشراكة السياسية التى تتحرك صوب ائتلافات سياسية أو تحالفات هذه كلها أنواع وأشكال من الشراكات، وتظل الشراكة الوطنية هى أصل هذه المشاركات جميعا.
فى الجبهة نحن شركاء مجتمعون على مصلحة الوطن ولسنا شركاء متشاكسون. إن جبهة تتحرك على قاعدة من التوافق لا تسعى إلى الفرقة أو التفارق. وجبهة تسعى إلى التماسك لا يمكن أن تمارس التعارك. إن معنى الجبهة الوطنية يشكل قاعدة وخميرة للجماعة الوطنية يتحرك أحيانا صوب الرئاسة ومؤسساتها تارة بالمعاونة والمساعدة وتارة بالمراقبة والمتابعة، وتارة بالمحاسبة والمساءلة، ونجعل من كل ذلك آليات عمل قد تتخذ مساراتها على التوازى أو على التوالى، وحينما تتجلط قنوات الاتصال تترهل الشراكة فى نسيجها السياسى والمجتمعى، وعليها أن تبتكر الرؤى لتفعيلها وضمان تأثيرها.
إنها قواعد السياسة التى تؤكد أن جبهتنا الوطنية وشراكتها الوطنية قائمة ما كان الوطن ومصالحه وما كانت الثورة وأهدافها، وما كان الأمل فى صناعة المستقبل لدولة الثورة فى مصرنا وتمكينها.
هل تعرفنا على معنى «استهموا» وعلى الفعل والفاعلية الذى يقتضيه فى شراكة وطنية ونصيب فى صناعة القرار وتأسيس الخيار وتحديد المسار، إنه منطق الجماعة الوطنية.
منطق السفينة والذى يؤكد على مثلث «دستور السفينة» الناظم لأمرها «وأمن السفينة» المحرك لفاعليتها وآمانها،والشفافية فى معاملاتها وعلاقة عناصرها ومكوناتها، وأشكال التفاعل عليها.
ومن هنا كان مبلغ سعادتى كبيرا أن من كتب ينعى الشراكة مع الرئاسة، هو الذى استنفره عالم أحداث يتعلق بأمن الوطن الكيانى ومصالحه الأساسية، أتى يعبر عن موقف رمزى عظيم أن المساءلة والمحاسبة لا تنعى شراكة وطنية ثابتة تهدف إلى مقتضيات مصلحة الوطن ومقاصد الجماعة الوطنية، لذلك لمن قرأ مقال الأستاذ القدير حمدى قنديل أن يقف عند «أننا لا ننقلب على الرئيس ولا يزال هذا موقفنا» نحن لن نعمل ضد الرئاسة، ولكننا سنتعامل معه كمواطنين لهم الحق فى الانتقاد والنصح وعليهم واجب فى تقديم العون إذا ما دعت الحاجة.. إن هذا لن يمنعنا من المعنى فى اتخاذ المواقف التى نراها صائبة وأن تظل الجبهة ضمير الوطن..».
إن فهم حقيقة الاستهام أن تدور مع مصلحة الوطن أينما دارت إنها بوصلة الوطن التى لا تخطئ، وتنوع الآراء يتعدد داخل مساحات الصواب والعمل لصالح سفينة الوطن.