نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 25 أغسطس 2012
تحدثنا فى مقالين سابقين حول «القوم» و«الاستهام» تحت عنوانين مهمين، منطق الجماعة الوطنية للتعبير عن حقيقة القوم، وعملية الاستهام للإشارة إلى الشراكة الوطنية: أمانة ومسئولية، بين الجماعة الوطنية وأصول الشراكة الوطنية تأتى سفينة الوطن، «كمثل قوم استهموا على سفينة»، إنها سفينة الوطن بمواصفات السفينة ومنطقها، بقدرات السفينة وشروطها، بالوعى بسنن السفينة وعملها، بمتطلبات أمانها ودستور مسارها. عمليات بعضها من بعض «سنن السفينة» و«وعى السفينة» «إرادة السفينة» «قانون السفينة» «دستور السفينة الأساسى» «التعاقد السفنى» «أمن السفينة» إنها جميعا تشير إلى جوهر وطن السفينة وسفينة الوطن.
كيف يمكننا أن نرى ذلك فى سفينة الوطن، سفينة الدولة، سفينة المجتمع، سفينة الثورة، هذه السفن جميعا تكون روح بناء مصر الجديدة التى نريد، نحدد مسارها وخياراتها، نحدد أصول عمارتها وبنائها، نحدد غايات وجهتها ومقاصدها.
«استهموا على سفينة» إنما يشير إلى أصحاب هؤلاء السفينة والممثلين لمجتمعها وعلاقاتها وفاعلياتها، إن العيش المشترك الواحد على سفينة الوطن هو الأمر الذى يؤمن السفينة فى كيانها و يؤمن السفينة فى مسارها.
إن لغة الخطاب يجب ان تبتكر مفردات خطاب السفينة خطاب الصلة والاتصال والتواصل والوصول، خطاب الصلة يتحرك صوب علاقات سوية، وخطاب الاتصال يحقق أصول التوافق وإدارة التعدد والاختلاف، وخطاب التواصل يحكم وشائج التكامل و التماسك، وخطاب الوصول يشكل أدوات للوصول للأهداف الكبرى والمقاصد العليا، فماذا عن سفينة الوطن وخطاب من عليها؟.
السفينة وكذا الخطاب يسوده التراشق والاشتباك، الانقسام والاستقطاب، صناعة الفرقة هى التى تمهد لصناعة الفوضى وتعطل أى عملية للانطلاق حول حوار البناء والفاعلية والنهوض، خطاب التعمير والتغيير والتطهير، وخطاب الاستقطاب برز واضحا باستخدام أوصاف جاهزة وهو خطاب يحمل فى طياته الحجة والنقيض، الرئاسة بما أنها إخوانية منتقدة مهما اتخدت من قرارت او تبنت من سياسات حتى صار الخطاب حالة من حالات اللامعقول إن إنهاء تغول العسكر مثلا هو استحواذ الإخوان ومحاولة إنهاء عسكرة المجتمع هو اتجاه لأخونة الدولة، واختيار مؤسسة الرئاسة لفريق رئاسى من خارج الإخوان لتزيين المؤسسة أكثر من القيام بعمل حقيقى يمثل المجتمع و طاقاته، واعتذار البعض عن الاشتراك فى الفريق هو رفض للاخوان والعمل معهم وعناوين صحافة حول أخونة الدولة وإحكام أخونتها، وإذا آلت سلطة التشريع للرئيس فإنه استحواذ على السلطات، هؤلاء للأسف لم يتحدثوا يوما عن سيطرة العسكر طيلة ثمانية عشر شهرا ولم يتحدثوا عن اغتصابه لسلطات ليست له فى الفرمان غير الدستورى المكبل، لم يتحدثوا عن تقصير عن قصد وغفلة غافل، وضرورات المحاسبة والمساءلة والقيام بذلك استحواذ وأخونة، هؤلاء لم يتحدثوا عن سلطة التشريع التى اغتصبت بعد حل مجلس الشعب من المجلس العسكرى الذى أراد بعد تسليمه السلطة لرئيس منتخب أن يبقى ممسكا بسلطات تعلن عن وجود سلطة أخرى هى سلطة العسكر فإذا قلنا إن ازدواجية السلطة أمر غير مقبول فى قيادة البلاد قالوا: إنه التوازن والموازنة بين سلطة الإخوان وسلطة العسكر.
وبدت القوى التى أسمت نفسها بالمدنية تحاول أن تجعل من العسكر سندها ومرجعيتها، قوى مدنية بمرجعية عسكرية لا تتحدث عن عسكرة الدولة والمجتمع وإنما تتحدث عن أخونة الدولة واستحواذهم، فإذا أتت قرارات مهمة هى فى صميم بناء الدولة ونظامها السياسى خرج الخطاب منتقدا وفق مبدأ المعارضة للمعارضة «إنى أعترض»، وبدا البعض يعقد مأتما ويفتتح سرادق عزاء لمأتم حرية التعبير وحركة الابداع، ولم يكلف هؤلاء أنفسهم ان يتأملوا المحتوى تحت هاتين القيمتين الكبيرتين، أين الحرية والإبداع فى نشر الشتائم والتحريض على الفتنة والخوض فى الأعراض وإهدار الدماء؟.
فإذا قلنا إن الحرية لها التزامات يجب أن تراعى ومسئولية يجب أن تلتزم، وأن الإبداع حركة ضمير لا يمكن أن تهدم الوطن أو تحرض على إهدار الدماء، صرخوا أنهم يكممون الأفواه، إنهم يمنعون حرية التعبير، إنهم يقومون بعمل لم يكن إبان النظام البائد، أين انتم حينما وفيما كنتم حينما كان العسكر يغتصب التشريع ولم تعقبوا على ذلك ولم تحركوا ساكنا، يا أسيادنا «تنظيم الحق ركن فيه ولكنه لا ينقضه ولا ينفيه»، مبدأ أساسى يجب أن نترجمه إلى عملية حمايه للسفينة، سفينة الوطن.
إن روح التربص والترصد لا يمكن أن تبنى أمة، ولا تقدم رؤية لمستقبل ناهض ولا تستثمر قدرات بناء الوطن وتحقيق مكتسبات وأهداف الثورة وبالجملة بناء «دولة الثورة» فى مواجهة الدولة العميقة والثورة المضادة.
إن شراكة سفينة الوطن والاستهام فيها وعليها ليست شركة المتشاكسين، ولكنها شراكة السفينة التى تعكس وحدة الهدف ووحدة العاقبة ووحدة المصير، وهى تتضمن إدارة التعدد وإدارة الاختلاف فى حركة توافق لا تراشق، وعملية حوار لا شجار، ونشاط فاعلية لا شلل أو شللية، وأهداف مصيرية لا مصالح آنية أو أنانية، إن فى الاعتصام عصمة، وفى التماسك والالتحام لحمة، وفى التشبيك والالتئام حكمة.
إن من مصلحة هذه الأمة أن تملك عناصر معارضة حقيقية قوية وفاعلة، وقوى حزبية حقيقية لا قوى كرتونية، تكره الإخوان، أكثر مما تحب مصر الوطن، تتمنى الفشل لغيرها حتى تحصد نجاحا وهميا، قوى حزبية تمارس النقد لذاتها لأن فى ذلك قوتها وأمانها، لا تمارس هجاء وهجوما على غيرها معتقدة أن فى ذلك نجاحها وفلاحها.
المعارضة يجب ألا تكون معارضة غفلة عن مصالح الوطن أو معارضة هجمة على شركاء الوطن «لو أنا خرقنا خرقا فى نصيبنا ولم نؤذ من فوقنا» هذا التوصيف الأخرق ليس من المعارضة فى شىء.
سفينة الوطن أكبر من أى فصيل، تستوعب ولا تُستوعَب، وعلى أى جماعة أن تكون جماعة للوطن وليست وطنا للجماعة، سفينة الوطن جامعة للوطن بكل أطيافه غير مانعة منه بكل تنوعاته.
أيها المستهمون على سفينة الوطن، ارحموا سفينة الوطن، إن لركوب البحر مقتضياته، وللوصول إلى بر الأمان متطلباته، وخطاب السفينة له مفرداته ومواصفاته، وسفينة مصر فى حاجة لكم جميعا، اتقوا الله فى سفينة مصر، هذا مستقبل وطن وحماية ثورة.