نشر المقال في “عربي21” بتاريخ: 6 فبراير 2019
من المهم أن نؤكد أن كثيرا من الفرص تلوح حتى ونحن في حال الأزمة، وأن ضرورة تلمس هذه الفرص حتى لا تضيع إنما يشكل أهم معامل للفعل السياسي للمعارضة السياسية للنظام الانقلابي القائم في مصر، ذلك أن مواجهة ذلك النظام الفاشي بعدما استطاع أن يقوم به طيلة خمس سنوات بعد الانقلاب من توطيد أركان تحكمه وطغيانه، جعل معركتنا معه معركة نفس طويل تتلمس كل تلك المناسبات التي يمكن أن يحدث فيها ذلك الاصطفاف بين قوى المعارضة في الداخل والخارج، ولكنه اصطفاف يقوم على توزيع الأدوار والحفاظ على المواقف والقدرة على العمل لهدف واحد، هو تطويق هذا النظام الفاجر الفاشي بكل طاقة وكل قدرة، خاصة حينما يلجأ مضطرا إلى الناس في معارك شتى، ومنها تلك المعركة التي يقوم بها في التعديلات الدستورية والتي ستقود إلى استفتاء شعبي، فإذا ما وصلت الأمور إلى الشعب وجب علينا أن نخوض المعركة بكل طاقتنا، مؤكدين على اصطفاف تتنوع فيه المواقف وتتجمع فيه القوى في آن واحد على هدف واحد؛ هو محاصرة المستبد وفضح نظامه.
قد يستغرب البعض هذه الرؤية التي أكدنا عليها مرارا وتكرارا حتى في الانتخابات الرئاسية الهزلية، وقلنا في هذه المعارك أنه علينا أن نخوض هذه المعارك حينما يكون الشعب طرفا فيها، فلا نترك هذا الشعب نهبا للمستبد يفعل فيه ما يريد تحت عناوين شتى، مثل أن هذا الشعب “يستاهل”، أو أن هذا الشعب قد رقص على دماء الناس” أو غير ذلك من الاتهامات، وينسى هؤلاء أن هذا الشعب في نضجه ووعيه لا يكون رقما صعبا في معادلة التغيير إلا من خلال هذه المعارك.
علينا أن نخوض هذه المعارك حينما يكون الشعب طرفا فيها، فلا نترك هذا الشعب نهبا للمستبد يفعل فيه ما يريد تحت عناوين شتى
إن من يؤكد أن علينا جميعا أن نذهب لنقول “لا” عند الاستفتاء لتكون صرخة مدوية؛ لا بد أن يقوم بمعارك قبل عملية الاستفاء، ويقيس ذلك بما حدث في تشيلي.. ومن يؤكد أن تلك معركة مستمرة على قاعدة من الفعل والفاعلية، وأن هذا الذي يؤكد في مسار آخر أنه لا يعترف بدستور الانقلاب ولا يعترف بكل ما يفعله السيسي باعتباره فاقدا لكل شرعية، ومنها الدستور وتعديلاته، هو محق، ولكن لكل حق حقيقة على أرض الواقع تسنده وقوة تؤكده وتمضيه.. يا هؤلاء من قررتم المقاطعة، إن المقاطعة ليست فعلا سلبيا، على قاعدة “اللعن والنوم”، ولكن القيام بالامتناع عملية تسبقها وتقارنها وتعقبها أفعال إيجابية تمارس بشرطها وحقها. وحق المقاطعة أن نتحدث أن هذا النظام الفاقد للشرعية، وأن السيسي المنقلب المغتصب لا يستحق أن يحكم مصر، فضلا عن أنه لا يمكن أن نقبل أن يؤبد حكمه إلى أبد الآبدين في لعبة وتلاعب حقير يجعل لمن أضر بالبلاد والعباد، ومن باع الأرض ومن فرط في مياه مصر ومواردها، ومن أفقر العباد وتركهم نهبا لغول الأسعار ومن قتل واعتقل وطارد؛ أن يستمر في حكم ذلك البلد.. عليكم أن تقوموا بكل دور في فضحه وفضح ألاعيبه في التحكم في رقاب العباد والبلاد.
وعلى هؤلاء الذين يخوضون هذه المعركة وبهذه المناسبة أن يقوموا بكل عمل لمحاصرة هذا النظام، واتخاذ الإجراءات التي تتيح للجميع أن يقوم بدوره، ويعكس مواقفه وقناعاته، وأن يترجم ذلك إلى فعل وفاعلية. ليس لأحد أن يتوارى ويفر من هذه المعركة، بل على الجميع أن يقوم بدوره كل في مكانه وعند مواقفه؛ مؤكدا أن هذا المنقلب لا يمكنه أن يستمر في فرعنته وفي طغيانه بأي شكل كان، أو تلاعب منه تحت أي اسم؛ من اغتصاب سلطة والانقلاب على سلطة شرعية، أو من الاختباء خلف تعديلات دستورية لشخص اعتاد على الغصب والقتل وانتهاك كل شرعية، شرعية المسار الديموقراطي وشرعية أي دستور، حتى الذي اصطنعه على عينه وحصّن عدم تعديله، فهو يتلهى ويعبث به مستخفا بكل شيء. إنه فقط يحاول أن يجعل من بقائه على الكرسي هو الكلمة العليا وهو الدستور، وأن كل شيء هو مجال لعبثه وإعمال هواه وترسيخ طغيانه.
ليس من داعٍ بعد ذلك لأن نتراشق على اختلاف المواقف وتنوع الوسائل والآليات، ما دام الكل يعمل لإزاحة هذا المستبد الذي جثم على صدر البلاد والعباد
إذا فهمنا هذه القضية المتعلقة بوحدة الهدف، فليس من داعٍ بعد ذلك لأن نتراشق على اختلاف المواقف وتنوع الوسائل والآليات، ما دام الكل يعمل لإزاحة هذا المستبد الذي جثم على صدر البلاد والعباد. آن الأوان أن يصرخ كل هؤلاء من ينكر شرعيته من الأساس، فيؤكد على غصب الطاغية وفجره وفضحه. وهذا الذي يرفض استبداده وطغيانه فيقول “لا” بأعلى صوته.. كلكم بذلك تقولون “لا “للمستبد، إنها المعركة، وإن ما أشهده على صفحات التواصل الاجتماعي من معارك وهمية زائفة ومصطنعة إنما هي تحقيق لرغبة المستبد حينما نهجو بعضنا ونعاير بعضنا باختلاف مواقفنا، رغم أننا موحدون في رفض المستبد. ليس معنى الرفض أن نكون نسخا واحدة في الموقف والأداء، ولكن أن نكون روحا واحدة في الرفض والمقاومة، نحدد الخصم بدقة ولا ننحرف إلى معارك جانبية وإلى تراشقات بينية، ولكن فلنتفق على خطة عمل لاغتنام الفرصة من قلب تلك المحنة التي أصابت الوطن والمواطن في مقتل.
ومن ثم فإن علينا أن نخوض معارك فضح النظام الذي لم يلتزم يوما ما بدستور ولا بأي استحقاق ديمقراطي، وينتهك حقوق الإنسان بشكل يومي كطقس من طقوسه. هذه الاستراتيجية في فضح النظام تحتاج منا القيام بكل ذلك بعمل دائب إعلامي وغير إعلامي، داخلي وعالمي، لتصل الأصوات إلى كل الدنيا وتؤكد لكل نظام يدعم السيسي من غرب أو شرق أنه ليس إلا مشاركا في قتل هذا الشعب وسجنه، وأن دعاواه التي يحاول أن يتخفى في جوفها ليست إلا دعاوى زائفة يوطد بها أركان طغيانه واستبداده. وتترافق مع معركة الفضح للنظام الفاشي معركة الضمانات لاستفتاء حقيقي يظهر إرادة شعبية في إطار رقابة دولية نطالب بها من الآن، ونؤكد أن النظام الذي يقتل المواطنين ويعتقل المعارضين وكل المنافسين لن يقوم باستفتاء حقيقي يعبر عن إرادة شعبية. والاستفتاءات الحقيقية لها ضماناتها ولها إجراءاتها، وهي معركة يجب أن نخوضها حاليا، ليس اعترافا منا بدستور لم يحترمه في أي وقت، ولا لسلطة كان هو مغتصبها، ولا لمؤسسات كان وما يزال يختطفها تحت تهديد السلاح تقوم بما تؤمر ملوحا بسلاحه ثم يدعي أنه في مكانه بإرادة شعبية، فمنذ متى كنت في هذا المكان بإرادة شعبية؟ فما رأينا منك إلا القتل والاعتقال والمطاردة وتكميم الأفواه، فحولت مصر إلى سجن كبير، وبعد ذلك تتحدث عن إرادة شعبية! إن الإرادة الشعبية الحقيقية لا بد وأن تمتلك ضماناتها، وأن تضمن إبعاد الطاغية عن تهديدها أو طمسها أو تزييفها أو تزويرها.. هنا فقط نقول أننا سندخل معركة حقيقية ونراهن على وعي الناس، ونؤكد للجميع أن هذ الرجل احترف قتل الناس جميعا، وأن على هؤلاء الذين سيخوضون تلك المعركة في هذه المناسبة أن يحيّوا الناس جميعا، وأن يقفوا صفا واحدا مع توزيع أدوار، مع الاحتفاظ بالمواقف، ومن دون أن نخوّن بعضنا البعض أو يسب كل منا الآخر، فكلنا ذاق من هول المستبد مرارا وقتلا وإفقارا، فعلينا أن نجتمع جميعا لاقتلاعه من جذره، فالطاغية لا يمرح إلا في مساحات تنازعنا، ولا يقضى عليه إلا باجتماعنا وتجمعنا، واصطفاف فعلنا وهدفنا.