نشر المقال في “عربي21” بتاريخ: 13 أغسطس 2019
تأتي علينا ذكرى رابعة السادسة مع أيام عيد الأضحى والتضحية، وتصادف أيضا عمل الكيان الصهيوني المدبر والممنهج في اقتحامات للمسجد الأقصى تحت نظره وبتشجيع منه؛ في محاولة لفرض أمر واقع بالنسبة للمسجد الأقصى.
ومن المؤسف حقا أن يتواكب مع ذلك عمل متآمر أخر في عدن جنوب اليمن فيما سُمّي بالمجلس الانتقالي؛ وبتآمر واضح من الإمارات وتواطؤ وصمت فاضح من السعودية، لتشهد الأمة سلسلة من الحوادث الدالة على حال وهنها.
أمة في أضغف حالاتها
أقول وبأعلى صوت: إن الأمة في أضعف حالاتها وإن الخصوم من داخلها ومن خارجها يستأسدون عليها، وأي أمل للثورات العربية أو أي أمل في الأمة للتغيير الكبير يحاصر؛ على رأس ذلك الحلف يأتي الكيان الصهيوني وأعوانه للأسف الشديد من داخل منطقتنا؛ كل هؤلاء يستهدفون الأمل ويحاولون أن تبقى وتستقر وتستمر مشاهد احتلال للأمة يتمثل في أقصاها (المسجد الأقصى)، ومشاهد استبداد وانقلابات يأتي الانقلاب الفاجر في مصر على رأسها، ومشاهد حروب أهلية في بلاد الثورات العربية، ومشاهد خصومة لدول عملت من كل طريق للقيام بحالة تطويق لأي نداء بالتغيير يحاول أن يثبت أن هذه الأمة حية وأن ثوراتها لن تموت.
الخصوم في هذه الأمة من داخلها يستهدفون حياضها؛ والمحتل لم يعد كيانا صهيونيا استيطانيا فحسب، ولكن المحتل والخصم صار مصريا وإماراتيا وسعوديا ممثلا في قياداتها وما تمثله من سياسات ومواقف وأهداف. يتجمع كل هؤلاء في حلف المضادين للثورة ليؤكدوا استهدافهم للثورات العربية في كل مقام ومكان، وها هو “حفتر” الجنرال الليبي لازال يمارس محاولاته للسيطرة في ليبيا وبشار الأسد الجزار مازال يمارس عدوانه المستمر في سوريا بعد أن هجّر أكثر من نصف شعبه.
مادة الإرهاب أصبحت غطاءً لإهمالهم وفشلهم وطغيانهم واستخفافهم بحرمات النفوس وقتلها وإيداع كل صوت حر في غياهب السجون والزنازين
هذه الأمة التي انتفضت يوما ما من خلال ثورات تحمل أشواق التغيير، يٌمارس ضدها الآن أقصى أحوال التخريب والتدمير في محاولة لقتل النفوس واستباحة الأرواح والاستخفاف بالإنسان. سنرى أن هؤلاء الذين يستهدفون الأمة، إنما يستهدفون الإنسان الحي صاحب القضية، إنهم لا يريدون إلا عبيدا؛ فإن انتفض أحدهم يؤكد أنه كريما عزيزا وحرا مختارا استهدفوه بالقتل دون مواربة؛ يقتلون كل معاني الإرادة والحرية والعزة والكرامة لأنهم يتحسسون ويتوجسون في كل ذلك الخطر عليهم وعلى طغيانهم وعلى عروشهم وعلى سلطانهم الفاجر.
صناعة الإرهاب
إن رابعة الفاضحة الكاشفة الفارقة الجامعة الدافعة لأن يقف الكل صفا لدفع هذا الاستهداف الفاجر لحرمات النفوس، فلنتذكر حينما قام ذلك الانقلاب العسكري في يوليو في مصر وقد أراد منفذوه، ملوحين بسلاحهم محاولين صناعة خوف حتى يسكن القلوب ورعب يقطن النفوس، تحت دعاوي عدة وتحت مقولة كاشفة فاضحة مواجهة “الإرهاب المحتمل”، أي إرهاب محتمل؛ إرهاب يصطنعونه على أعينهم وإرهاب يفتعلونه بأفعالهم وطغيانهم؛ وإرهاب يتدثرون به في محاولة لإخفاء وتغطية ظلمهم، مادة الإرهاب أصبحت غطاءً لإهمالهم وفشلهم وطغيانهم واستخفافهم بحرمات النفوس وقتلها وإيداع كل صوت حر في غياهب السجون والزنازين، ومطاردة كل هؤلاء المرابطين المتمسكين بحقوقهم وبكيانهم وبعزهم وبكرامتهم.
فلنتذكر كيف قام المنقلب بعد انقلابه العسكري بطلبه التفويض، تفويض القتل على ما أسماه “إرهاب محتمل”، فاصطنعه ليكون سندا في شرعنته بالنسبة للخارج في محاولة بائسة ومفضوحة لتبرير القتل وصناعة الكراهية، كان ذلك التفويض مبتدأ الكارثة، وما التطبيع ومحاولة صهاينة العرب أن يجعلوا ذلك الكيان الصهيوني السرطان المزروع في قلب الأمة كيانا طبيعيا مقبولا، يٌطّبعون معه ويتحدثون عن وجوده بل وحقوقه؛ ويتناسون حقوقا اغتصبت وأرضا نُهبت وإنسانا وأرواحا أزهقت وشهداء سقطوا، لا يرون في كل ذلك بأسا، بل إن جحافل الصهاينة والمتصهينين تقوم كل فترة خاصة في أعياد هذه الأمة بإطلاق جحافلهم من المستوطنين مستهدفين المسجد الأقصى ومستهدفين القدس بأسرها ليوطنوا لأمر واقع ويضفوا على اغتصابهم قوة ومنعة؛ يساعدهم في ذلك زعماء في دولنا ما هم بالزعماء ومتصهينة ما هم بعرب أو مسلمين وصمت مطبق على إهانات واقتحامات مجرمة للأقصى وبيت المقدس وسياسات تهويدها، ثم بعد ذلك يتحدث هؤلاء أن كل ذلك من حق الكيان الصهيوني.
وجهان لعملة واحدة
المحتل والمستبد سواء بسواء يستهينان بالحرمات والرموز ويستخفان بالنفوس والأرواح، إن الأقصى الفاضح ورابعة الكاشفة وأفعال المضادين للثورة المتآمرة إنما هي أفعال متراكمة تفت في عضد الأمة وتضعفها وتقضي على آمالها في الثورة والتغيير، إن رابعة من جنس اقتحام المسجد الأقصى وإن أفعال “حفتر” بضرب المدنيين بالطائرات من هذا الجنس؛ وإن التآمر الذي يحدث باليمن بفعل الإمارات وتحت حمايتها إنما يشكل عملا واحدا في إجرامه واستخفافه؛ لا يستطيع أحد أن ينكر آثاره أو ينكر هذا الفٌجر الذي يمارس من تلك النظم في حق هذه الأمة والحروب التي أشعلوها والنفوس التي أزهقوها.
ما زلنا نتذكر “رابعة التي لا تٌنسى”، رابعة التي تؤكد اختبار الإنسانية بعد اختيار الحرية، اختبار كرامة النفس البشرية بعد اختبار طلب الحرية ومقاومة الظلم، هذه الاختبارات المتتابعة أكدتها رابعة وأخواتها، وأن هؤلاء الذين سقطوا وفشلوا في اختبارات الحرية والإنسانية إنما يتحملون كل المسؤولية فيما وصل له حال الأمة من ضعف وهوان، إلا أن يكون ذلك مع انحطاطهم. كان هذا الأمر مقصودا بتخطيط من بعضهم ومن خلال انحطاط نوازعهم، محتل غاصب ومستبد متآمر وطاغية فاجر ومراهق أرعن تملكته رغبة أن يعتلي كرسي السلطة بأي ثمن، وجنرالات مأجورون يروعون شعوبهم لمن يدفع ويقتلون النفوس لمن يطلب، ويخربون العباد والبلاد والأوطان من أجل نزعات طغيانية أو مطالب أنانية.
المحتل والمستبد سواء بسواء يستهينان بالحرمات والرموز ويستخفان بالنفوس والأرواح
ماذا يمكن أن نقول عن أحداث تتراكم وتتواتر كاشفة فاضحة لكل عوامل ضعف ووهن هذه الأمة، التي أصبحنا نكابدها ونعايشها ليل نهار ضمن عمليات كبرى ممنهجة ومنظمة يقوم بها هؤلاء تخريبا لمقدرات هذه الامة وتفريطا في مواردها وتحقيقا لما يضر بأهدافها؛ فيتحالفون ويتآمرون ويفرطون وبالجملة يقتلون ويطاردون ويعتقلون، هذا هو حال الأمة بعد هؤلاء الذين تحكموا فيها من طغاة مستبدين وجلبوا من أعدائها غزاة طامعين؛ وأمسكوا بمقدرات الأمة فإذا بهم تارة مفرطين وتارة متنازلين، ونخب بلغت في انحطاطها منحدرا خطيرا؛ تعمل لمصالحها الذاتية من غير أي اعتبار للأمة.
كل ذلك يحدث و”رابعة التي لا تنسى” و”الأقصى الذي لا يخذل” و”الثورات التي لا يمكن أن تنقضي” تجعل من هدف التغيير أملا نعمل له ونسعى من أجله فنواجه الطغاة ونحارب الغزاة ونقيم صرحا من نخب جديدة بدلا من تلك التي سقطت أو انحرفت وانحطت؛ بهذا فقط يمكن أن نعمل لكل تلك الرموز التي ترتبط بعمليات التغيير الكبرى التي تتطلبها هذه الأمة، إنها حقا معركة كبرى ذات نفس طويل وسعي عظيم تحمل أملا كبيرا؛ التغيير الكبير آت لا محالة يجب أن يعمل له كل من آمن به وكل من جعل هذه الأمة جوهر اهتماماته، معركة التغيير المقبلة إما أن تكون لنا أو تكون علينا ، تكون لنا إذا عملنا لها وسعينا بسننها حتى نحقق لهذه الأمة آمالها وأهدافها.. فهل نحن عاملون؟