نشر المقال في “عربي21” بتاريخ: 30 ديسمبر 2020

ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن استغلال طغمة الانقلاب للجنسية كعقوبة، خصوصا مع إصرار هذه العصابة على ذلك، ولم يعد هناك أي من حقوق المواطنين الإنسانية السياسية والمدنية والاقتصادية إلا ويتم استغلالها كعقوبة في يد الانقلاب، وهي توقعها بحق من يقول لها “لا” أو يكون لديه موقف من هذه العصابة ككل أو حتى أحد أفرادها. وغالبا ما يكون موقفا سياسيا وعاما، ولكن العصابة وأفرادها بأسلوبهم في شخصنة الأمور والزج بأنفسهم في قلب الحدث، باعتبار أن أشخاصهم مقدمة على الوطن والمواطنة والحقوق، يكون هذا معيارهم في دفع مؤسسات الدولة للتعامل مع المواطنين ومأسسة آرائهم ومواقفهم الشخصية.

وقد كانت أحدث ضحاياهم السيدة المصرية – غصبا عن طغمة الانقلاب – غادة نجيب. وغادة نجيب مصرية أصيلة لن تؤثر على أصالتها قرارات الانقلاب الزائلة في القريب العاجل بإذن الله. وتعد مثل هذه الأساليب الإجرامية الملازمة لهذه العصابة سمتا فاضحا لها، فهم لا يردعهم رادع من دين أو إنسانية أو قانون أو مروءة أو أخلاق، أو أي وازع من أي نوع. فتفاصيل قصة نزع الجنسية عن السيدة غادة نجيب كاشفة لمدى فُجر هذه العصابة وتوحشها، ودليل إدانة على تدني أخلاقهم وسلوكياتهم إلى أقصى حد.

تفاصيل قصة نزع الجنسية عن السيدة غادة نجيب كاشفة لمدى فُجر هذه العصابة وتوحشها، ودليل إدانة على تدني أخلاقهم وسلوكياتهم إلى أقصى حد

فالسيدة غادة نجيب تعرضت لحملة من أحد أفراد العصابة، وهو أحمد شعبان الذي لم يتورع عن اللجوء لكل الأساليب التي لا تليق حتى بأخلاق أسافل مجرمي الحواري والأزقة في سوق الاتهامات الباطلة بحق السيدة الفاضلة، واتهامها في عرضها وشرفها والتشكيك في نسب ابنها “ثائر”. ولم يكتف بذلك، بل تعرض لدوائر أخرى قريبة منها وإجبار صديقتها على تسجيل فيديو كاذب بحقها. ثم تصاعدت الحملة بالتعرض لأقاربها من الدرجة الأولى وأقارب زوجها السيد هشام عبد الله، وصولا إلى التهديد بخطف ابنها. وقد جن جنون العصابة عندما لجأت السيدة الفاضلة للسلطات التركية للمطالبة بحمايتها من هذه التهديدات.

وتزعم العصابة الغاشمة أن السيدة غادة نجيب قد اكتسبت الجنسية عن طريق زواجها عام 1999؛ في حين أن ذلك غير صحيح بالمرة، فقد أكدت السيدة غادة كذب هذه المزاعم بتشديدها على أن والدها يعيش في مصر منذ أن كان عمره 19 عاما، ويحمل بطاقة الجمهورية العربية المتحدة، كما أن والدتها مصرية الجنسية، ومن ثم فهي مصرية المولد ولديها من الوثائق التي لن تملك العصابة إجرامية تزويرها ما يثبت ذلك، فشهادة الميلاد، والشهادات الدراسية جميعها (الإعدادية والثانوية والجامعة) مثبت فيها أنها مصرية أصيلة، ومن ثم فهي مصرية منذ الولادة، وجنسيتها بالدم لوالدتها المصرية الجنسية، والدستور يكفل لها هذا الحق، إضافة إلى أنها لا تحمل أي جنسية أخرى.

وفي تأكيدها على حقها في الجنسية المصرية، ترصد السيدة غادة نجيب ما يثبت فشل الانقلاب وكذبه وتسرعه في إسقاط الجنسية لموقف شخصي من أحد أفراد العصابة، حتى هذه المرة فشلوا أيضا في تستيف الأوراق، حيث تزعم أجهزة السامسونج التي سارعت بنشر الخبر والترويج له أن السيدة غادة نجيب اكتسبت الجنسية عام 1999 بزواجها من السيد هشام عبد الله، في حين أن زواجها سبق هذا التاريخ بكثير وأن أول أبنائها مواليد 1998. كما أن خطأ المعلومات لم يكن الوحيد الذي شاب هذه القضية فهناك أخطاء قانونية وإجرائية بالجملة تثبت أن مثل هذه الأحكام مصيرها إلى زوال بزوال الانقلاب الفاشي، فهذا القرار مبني على أحكام غير نهائية لصدورها غيابيا، ومن المفترض أن لا يصدر مثل هذا القرار إلا بعد صدور أحكام نهائية تكون فيها قد مثلت أمام المحاكم ومنحت فرصتها كاملة في الدفاع عن نفسها.

إن الجريمة الوحيدة التي تعاقب عليها السيدة غادة نجيب هي جريمة حب الوطن، وأنها تريد أن تكون مواطنة كاملة الحقوق، وهو أمر لم يعد مسموحا به من قبل الانقلاب الذي أصبح يصادر ويؤمم كل شيء ولم يعد يردعه رادع.

التعديلات الجديدة – التي فصلها الانقلاب على مقاسه – أباحت مجالات عدة يمكن للدولة من خلالها سحب جنسية أي مصري، وباتت الجنسية عقوبة من العقوبات في أيدي هذا الانقلاب الغاشم

كانت العصابة الانقلابية قد شرعت في إدخال تعديلات على قانون الجنسية منذ عام 2017 تتيح لها التوسع في استخدام الجنسية كعقوبة. فالدستور الحالي ذكر الجنسية في المادة السادسة ونصت على أن “الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية”، ولكن التعديلات الجديدة – التي فصلها الانقلاب على مقاسه – أباحت مجالات عدة يمكن للدولة من خلالها سحب جنسية أي مصري، وباتت الجنسية عقوبة من العقوبات في أيدي هذا الانقلاب الغاشم.

ومع أن الانقلاب لم يكن في حاجة إلى هذه التعديلات وكان يمارس هذه الرذيلة حتى مع الاشتراطات القديمة، إلا أنها كانت محكومة بوجود مؤسسة يعمل من خلالها الشخص الذي تريد إسقاط جنسيته. وقد كتبت عام 2015 حينما أسقط النظام الجنسية عن أحد المواطنين المصريين أنه “من الآن فصاعدا يستطيع مجلس الوزراء أن ينزع الجنسية عمن يشاء ويلبس الجنسية لمن شاء ويمن بها على من أراد وينزعها عمن يرغب. هنا كانت الجنسية عقوبة أوقعها مجلس الوزراء على هذا المواطن “سابقا” بحكم قرار المجلس هذا، إلا أن الجنسية كعقوبة تظهر في أوضح صورها بقرار ترحيل المتهمين الأجانب والإبقاء على المصري رغم اشتراكهم جميعا في قضية واحدة، بل الأكثر من ذلك أنهم طالبوا المصري الذي يحمل جنسية أخرى أن يتخذ إجراءات التنازل عن جنسيته المصرية حتى يتم تطبيق القانون عليه”.
وقد تدارك الانقلاب الموقف بهذه التعديلات الفضفاضة التي منحته إمكانية إسقاط الجنسية عن مواطن/ة رفض/ت الاستجابة لضغوط أحد أفراد هذه العصابة. فقد نصت تعديلات القانون على أنه يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها في عدد من الأحوال منها “إذا كانت إقامته العادية في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج”. وقد أوعز القرار الصادر بحق السيدة غادة نجيب في الجريدة الرسمية بتاريخ القرار إلى هذا السبب بقوله: “وذلك لإقامتها العادية خارج البلاد، وصدور حكم بإدانتها في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج”. ونحن لن نمل من التذكير بأن هذا القرار غير دستوري لأنه صادر بحق أحكام غير نهائية، كما أن الجنسية لا يمكن لها أن تكون عقوبة.

إن غادة نجيب مصرية كانت وستظل، وستذهب قرارات هذه العصابة أدراج الرياح مع زوالها، وسيبقى في المستندات الرسمية ما سيؤرخ على دناءة هذه العصابة، وسيحكم التاريخ من خلال مثل هذه المستندات على مدى تفشي الفساد والإجرام للطغمة التي استولت على حكم مصر خلال هذه الفترة التي ندعو الله -ونحن في هذه الظروف – أن يعجل بانتهائها وانتهاء هذا الانقلاب الغاشم، وعودة مصر إلى أصحابها الحقيقيين وأبنائها المخلصين، وأن تنزاح هذه الغمة وينال هؤلاء المجرمون ما يستحقون من عقاب الشعب ولعنة التاريخ التي لن يكون هناك أي عائق في التعرف عليها لأنها ظاهرة وملموسة في كل قرار وتصرف وسلوك لهذه العصابة الإجرامية؛ التي أساءت إلى مقام المواطن والدولة والدستور والقانون وعمدت لاغتيال قيمة المواطنة وجوهرها.

هذه رواية غادة نجيب شريفة مصر ورواية أحمد شعبان العاهر الفاجر في منظومة عصابة فاشية.. هذه رواية غادة نجيب يناير الثورة التي تعاقب عليها ورواية عصبوية لم تعد إلا مؤشرا على الزيف والتزوير.. سحقا وساء ما تحكمون.. رغم كورونا فالأمر لا يحتمل التأجيل.