نشر المقال في “عربي21” بتاريخ: 3 أغسطس 2023

تقتات منظومة الثالث من يوليو على سردية مركزية تنسج من خلالها صورتها وترتكز عليها في الحكم والسياسة في الداخل والخارج؛ مفادها أن “رئيس هذه المنظومة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن المشكلات والأزمات التي تمر بها مصر يقف وراءها من هم خارج المنظومة، الذين يتمنون الفشل ويعملون لإفشال مصر”.

 وتوسعت وسعت تلك المنظومة في اتهام الآخرين بدءا من أهل الشر، والجماعات الإرهابية، وشبح الحرب الأهلية، مرورا بكورونا، والحرب الأوكرانية، ووصولا إلى الاحتباس الحراري والتغير المناخي، ولن تعدم هذه المنظومة في إيجاد متهمين جدد ومشاجب جديدة مستقبلا في ظل انفتاحها غير المحدود في تحميل الآخرين مسؤولية ما هم فيه من فشل أو فساد، خاصة في ظل ترويجهم لخطاب رئيس المنظومة الذي يرى نفسه أهم شخصية في العالم ـ دون مبالغة منا ـ ولديه حلول لكل المشكلات، فهو القائل “ربنا خلقني طبيب أوصف الحالة، هو خلقني كده، أبقى عارف الحقيقة وأشوفها، ودي نعمة من ربنا، اسمعوها مني، وزعماء كل الدنيا خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين، وكبار الفلاسفة ـ لو حبيتوا ـ قالوا للناس اسمعوا كلام الراجل ده”.

كما أن رئيس هذه المنظومة يفتخر بما حققه في العديد من المشروعات، بغض النظر عن النتائج أو الآثار المترتبة عنها، فهو لا يعنيه أن يكون مشروع تفريعة قناة السويس مشروعا ناجحا، ولكنه يفتخر بأنه استطاع تنفيذ المشروع في نصف المدة المقررة وأنه قام عليه لأسباب تتعلق برفع الروح المعنوية لجماهير المواطنين لا العائد من التفريعة الجديدة؛ حينما تأكد أنه لا يدر الدخل المنتظر أو المطلوب، ولا يعنيه الاستفادة من الطرق والكباري التي يبنيها في كل مكان، ولكنه سعيد باستعراضه الصور والإنفوجرافات التي تبين هذا الإنجاز، لا يعنيه أن البلاد تعيش في ظلام دامس، وأن أقصى ما استطاعت حكومته أن تفعله هو توفير جدول لانقطاع الكهرباء، ولكنه سعيد بأنه شيد أكبر محطة توليد كهرباء في الشرق الأوسط، مدللا بذلك على قدرته الفذة في الإنجاز، وحينما سرب البعض بأنه يبني القصور؛ رد قائلا بلا أدني لا مبالاة “وهبني كمان”؛ مدعيا أنه لا يبني لنفسه بل يبني من أجل مصر؛ وما لديه من قدرات فهم واستيعاب غير متاحة للأخرين فهو لا يفتأ وأن يردد “ففهمناها سليمان”.

هذه المنظومة تجد في اتهام الآخرين حلولا للمشاكل وفي البحث عن مشاجب متجددة سبيلا تهرب به لتعلق فشلها على مشجب جديد أو مستجد، فهو يتعامل مع الأزمات والكوارث والمشكلات بطريقة “فين المدني اللي هنا” أي أنه دائما لديه اتهام مسبق ومعلب وجاهز، لا ينظر إلى حل المشكلة، ولكن ما يهمه هو وجود متهم يحمله مسؤولية الفشل فيما أسميناه “سياسات المشاجب”.

هذه السياسة “سياسة المشاجب المتجددة” فتلك المشاجب والشماعات التي يقوم النظام بالتبرير والتدوير لها من خلال الفشل الزاعق والفاضح الذي يرتبط بكثير من مشروعاته؛ فاتخذ من ذلك طريقا وأسلوبا يمرر به الأزمات، وهو في كل مرة يعد / يجهز متهما خاصا يقوم بمحاربته ضمن أفعاله المتكررة من محاربة طواحين الهواء، ثم يسمي ذلك بالإنجازات.

هذه المنظومة تجد في اتهام الآخرين حلولا للمشاكل وفي البحث عن مشاجب متجددة سبيلا تهرب به لتعلق فشلها على مشجب جديد أو مستجد، فهو يتعامل مع الأزمات والكوارث والمشكلات بطريقة “فين المدني اللي هنا” أي أنه دائما لديه اتهام مسبق ومعلب وجاهز، لا ينظر إلى حل المشكلة، ولكن ما يهمه هو وجود متهم يحمله مسؤولية الفشل فيما أسميناه “سياسات المشاجب”.

وفي حقيقة الأمر أن هذه السياسة تقوم على التبرير والتمرير والتزوير للأزمات وعليها، وتقوم في المقابل ـ في ذات الوقت ـ على التغييم والتعتيم على حقيقة التحديات، ومن ثم وفق هذه الاستراتيجيات والسياسات تتراكم المشاكل والأزمات من دون حل حقيقي، وبدون عمل أو سياسة حقيقية لمواجهة هذه الأمور التي تستفحل أمام أعين الأجهزة المختلفة الإدارية وأجهزة الدولة الأخرى، هذه السياسات أيضا تتوسل ضمن محاولة تشييع ذات التفكير على عموم الناس إنما تتعلق بقيام جهاز إعلامي يجيد ترديد هذا الكلام ويلفت الناس إلى إنجازات وهمية لا يراها أحد إلا رئيس هذه المنظومة وزبانيته وداعميه وإعلامييه، فتتحول المسألة من علاج المشكلة إلى حالة إعلانية لتبرئة تلك المنظومة من مسؤوليتها عن ذلك الفشل المحتوم والمتراكم.

كم من مرة قام هؤلاء عند فشل يرى بالعين المجردة ويكابده الناس حينما لا تقوم أجهزة تتعلق بالصرف الصحي بأعبائها عند هطول أمطار غزيرة فتؤدي إلى غرق البلاد وإلى توقف الحياة والمناشط العامة، وفي النهاية يتفتق ذهن هؤلاء عن الحديث عن تنظيم إخواني من أهل الشر يقوم بسد البالوعات التي تؤثر على الصرف وتغرق البلاد والعباد، هكذا في كل مرة سيكون المشجب الذي يتعلق بأهل الشر، أما لو كانت هناك مشاكل أمنية فإنه لا يراها تعود إلى سياساته الهزيلة والتي تستخف بأرواح أبناء هذا الشعب ومواطنيه وكذلك تقوم على توصيف للأجهزة الأمنية وعلى رأسهم العسكر بكونهم حماة استقرار البلاد وتأمين العباد، وفي حقيقة الأمر إن أردت أن تتعرف على حال الخوف والترويع فإنك في حقيقة الأمر تجد أن المسؤول الأول عن هذه الحال إنما يرتبط بأجهزة الأمن والتأمين ذاتها، وممارستها الفاضحة التي تقوم بعمليات استخفاف كبرى؛ وتمارس أقصى درجات العنف مع كل من تشتبه فيه أو تراه مخالفا لما يراه هؤلاء.

ومن ثم بات الاتهام الشائع بالجماعة الإرهابية على كل لسان؛ ووصل ذلك إلى أن تقدم أجهزة أمن الدولة اتهامات متكررة ومعلبة لتخدع الكافة أن عالم المحبوسين والمعتقلين هم على ذمة قضايا، وهم في حقيقة الأمر يقومون بتلفيقها لهم وهم داخل السجون، وصار هذا الاتهام المعلب بالانتماء إلى تنظيم إرهابي وجماعة إرهابية هو الاتهام السائد الذي يُصدع ويُبادر به في كل آن وفي وجه كل مخالف، وهو يمارس ذلك في حق من يعارضه ومن كان يعاضده من قبل أو يدعمه واشتهر عنه أنه ليس من الاخوان ولا يمت لهم بصلة بل ربما يكون من معارضيهم؛ فلا يجد غضاضة في أن يلفق لهم ويؤكد عليهم تهمة انتمائهم لجماعة إرهابية، أو أنه ساعد جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها، ومن هنا صار تبرير حالات عدم الاستقرار داخل المجتمع وتمزيق أوصاله، تهمة معلقة في رقبة الجماعة الإرهابية هكذا وبإطلاق ومن دون تعقيب.

وأكثر من هذا أن تقوم هذه المنظومة ضمن سياسة المشاجب المتعددة والمتجددة أن تتحدث أن محاولات الجر إلى حرب أهلية، وهو أمر تدعيه تلك المنظومة وأجهزتها الأمنية والتي لم تقدم دليلا واحدا، وتتهم بتعمد هؤلاء بمواجهة الأقباط؛ وصارت تتهم كل هؤلاء بأن أيديهم تلوثت بالدماء، وواقع الأمر أن من تلوثت أيديه بالدماء هي تلك الأجهزة التي قامت بمجازر متعددة ومتكررة كرابعة وأخواتها في سابقاتها ولاحقاتها، إن من تلطخت يده بالدماء هي تلك الأجهزة التي اُختطفت وتكيفت مع هذا الاختطاف وبدلت أدوارها وصارت تمارس القتل والمطاردة لأبناء شعب مصر، فلا أحد منهم يشعر بالأمن والأمان، وقد كممت الأفواه وفاضت الأرواح، ودليلنا على ذلك تلك الحوادث المتكررة التي تتعلق بمحاولات الهجرة غير الشرعية في قوارب غير آدمية يلقي فيها الشباب والكبار والأطفال بأنفسهم إلى التهلكة والموت.

وفي هذا المقام علينا أن نتذكر كيف كانت سياسات هذه المنظومة حول كورونا والتي اتخذتها متكئا للتحكم والسيطرة من جانب، وكذلك تبرير فشل السياسات الاقتصادية والتي أدت إلى أزمات هيكلية وعوقت المسيرة التنموية من جانب آخر، هكذا بات هؤلاء يتلقون كل حدث، ويجعلون من أنفسهم الضحايا، ويبررون من خلال عالم الأحداث المتكرر كل أنماط فشلهم، وكل محصلات تقصيرهم وانحرافهم، ومن هنا يتلقف هؤلاء أيضا حدثا يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية ويعلقون عليها فشلهم في تدبير حاجات الناس وضروراتهم، وكأن الحرب الأوكرانية هذه تدور على أرضنا، وتستهدفنا نحن بالذات، وليست بالحرب التي توجد على جغرافيا غير جغرافيتنا، وفي مكان غير مكاننا، ولكنها حرفة التشبث بالفشل من غير إعلان عنه، هكذا تبدو لنا في كل مرة تقوم تلك المنظومة وأجهزة إعلامها وإعلانها بتمرير الفشل، وتزوير النتائج والمتحصلات.

ومؤخرا بدت هذه الأزمة الطاحنة التي تتعلق بانقطاع التيار الكهربائي ما بين إنكار أن مصر تعاني من أزمة، وما بين تبرير أن المناخ والاحتباس الحراري قد تسبب في هذه الأحمال الزائدة على شبكات الكهرباء، وعلى الغاز الذي تقوم بتصديره إلى الكيان الإسرائيلي في عقود طويلة الآجال وبأثمان بخسة تقل عن الأسعار العالمية، وهنا خرج علينا رئيس الوزراء بـ “روشتة المّن”؛ وأنه لولا تلك المشروعات التي قاموا بها في مجال الطاقة ما كان لنا أن ننعم بكهرباء لمدة ثلاث ساعات وليس بانقطاعها لثلاث ساعات، وبات يتخبط في تصريحاته لأن هذه المنظومة اعتادت على أن تنكر الفشل وأن تلبسه لغيرها في محاولة منها لتزوير الأرقام وترويج الأوهام، وفي النهاية فإن هذه السياسات المشجبية التي لا تنتهي؛ نقول إذا كان عالم الأشياء يخفف عنه وفيه “مجال الشبكات الكهربية” أحماله؛ فمن يخفف الأحمال والأعباء عن عالم البشر والمواطنين في ظل هذا الفشل المقيم”.