
نشر في بوابة الأهرام الالكترونية بتاريخ 22 يونيو/حزيران 2013
أصدر مركز الحضارة للدراسات السياسية ـ الذي أتشرف بالعمل به ـ مبادرته التي يتوجه بها الي الشعب والأمة وينطلق بها صوب الرئاسة والمعارضة لنزع الفتيل لموقف وصلنا إليه من الحشد المتبادل.
في ظل العمل وفق مسار القطارات المتصادمة علي قضيب واحد، والذي يصر كل قطار للسير في قبالة الآخر من دون أدني رشد رغم كل صيحات التحذير والإنذار.
وأجدها فرصة لأجعل هذه المساحة مكانا يحمل هذا الخطاب إلي الأمة, علي قاعدة من شعار الشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها وتحت عنوان تصحيح مسار ثورة ووطن: رؤية وخريطة طريق لا ينفصل30 يونيه عما سبقه من ممارسات جميع الأطراف علي الساحة المصرية, وما يمكن أن يلحق به من تداعيات. قد يتحول30 يونيو إلي مشروع للفوضي ودائرة مفرغة من العنف تحت دعاوي إسقاط النظام وإسقاط الرئيس, دون إعداد رؤية أو تصور لما بعد ذلك. وحتي لا يكون30 يونيو كذلك, وحتي يكون منطلقا لتصحيح مسار الثورة, فإن علي الرئيس أن يبادر بحزمة قرارات تتعلق بهموم الشعب, لا مجرد تنازلات لضغوط تحاول توظيف إحباط الشارع في إدارة صراعها مع الرئاسة والإخوان.
وحيث لابد من عزل الممارسات العبثية التي لا تهدف إلا لإسقاط الرئيس غير آبهة بمصلحة الوطن, فإن معارضة مستقلة راشدة وجديدة لابد أن تأخذ موقعها كقوة تعمل لصالح الوطن والثورة, وتجمع بين روافدها واتجاهاتها المتنوعة, في إطار احترام الشرعية التي يعبر عنها الدستور. ولاشك أن التفكير والتوجه خارج إطار الدستور يتجاوز الاعتراض علي الرئيس أو محاولة سحب الثقة منه إلي الانقضاض علي المنظومة الشرعية التي قامت علي الإرادة الشعبية.
وفي هذا التوقيت الحرج, وانطلاقا من حرصنا البالغ علي السلمية, وحقنا لدماء هذا الشعب بمختلف اتجاهاته, واحتراما لإرادته وضروراته, وتقديرنا للتداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية التي من الممكن أن تنتج عن أحداث العنف; خاصة سقوط ضحايا والمزيد من الانقسام, فقد رأينا ضرورة طرح هذه المبادرة لتكون رؤية تتضمن خريطة طريق علي ثلاثة مستويات لمواجهة الأزمة وتحاول العمل علي حلها علي النحو التالي: المستوي الأول: إعلان السيد الرئيس عن اتخاذ حزمة من القرارات تعكس إرادة الشعب أهمها: ـ الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني يشارك فيها الجميع; لتحقيق التوافق اللازم لإدارة الدولة, واختيار رئيس وزارء قوي, يتمتع بحنكة سياسية وخبرات اقتصادية وقانونية وإدارية.
الاتفاق علي تكوين لجنة لمتابعة وتنسيق الجهود بصدد حصر خريطة أو تعديل المواد المختلف عليها في الدستور لتحقيق توافق وطني حول الدستور.
ـ الإسراع بالإعلان عن موعد إجراء انتخابات مجلس النواب, بعد الاتفاق علي تعديل قانون الانتخابات وقانون مباشرة الحقوق السياسية, وعدم تأخير في عقد الانتخابات تحت أي ذريعة. ـ العمل علي تمكين الشباب من ممارسة دورهم المحوري في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية, وعلاج محاولات التهميش والإقصاء التي سادت المرحلة السابقة, والعفو عن جميع النشطاء والمتحجزين بسبب أو بمناسبة الثورة وتوابعها, وعلاج المصابين في الداخل والخارج حسب حالاتهم, وحل قضايا ذوي الإعاقة.
ـ عدم احتكار فصيل واحد لإدارة الدولة وتهميش وإقصاء باقي التيارات, وإعمال مبدأ المشاركة وتوزيع المسئوليات, والاعتماد علي أهل الكفاءة والخبرة. ـ إعادة بناء الثقة بين سلطات الدولة, وبناء جسور الحوار والتعاون حول مشروعات تعديل قانون السلطة القضائية, وإرجاء ذلك لمجلس النواب عند انتخابه, علي أن يقدم مشروع التعديل من المجلس الأعلي للقضاء. وحل مشكلة النائب العام, من خلال إجراء حوار بين جميع الأطراف المعنية به من أجل التوصل إلي ما يحقق مصلحة الوطن من خلال وضع منظومة متكاملة للعدالة الناجزة. وضع رؤية شاملة لإدارة ملف دول حوض النيل والسير في عدة محاور أهمها: التفاوض, ثم اللجوء لمحكمة العدل الدولية, واللجوء لمجلس الأمن الدولي, واستحداث حلول بديلة تتعلق بمحطات توليد طاقة, وخفض ارتفاع السد وخلافه, واستنفاد جميع الطرق السلمية لحل النزاع المصري-الإثيوبي, وفي حال عدم الحل يتم تأكيد حق مصر في الدفاع الشرعي عن الجرائم الدولية التي ترتكبها إثيوبيا تجاه مصر; بسبب تلاعبها في أمنها المائي وحياة مواطنيها, واتخاذ ما يلزم للدفاع عن أمننا القومي.
ــ مراجعة أولويات الأمن القومي المصري وإعادة ترسيم العلاقات الدولية, وخاصة مع دول الخليج وإيران والثورات العربية وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا- المستوي الثاني: حال تعذر قيام الرئيس باتخاذ القرارات التي يتطلبها المسار الأول يتم الاحتكام إلي الدستور وخاصة المادتين(150,5) اللتين تؤكدان أن السيادة للشعب يمارسها ويحميها, وأن لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل المهمة التي تتصل بمصالح الدولة العليا. وهنا يتعين علي الرئيس استفتاء الشعب وأخذ رأيه في استكمال الرئيس مدة رئاسته من عدمه؟ وفي حال موافقة الشعب يجب أن يحترم الجميع إرادة الشعب, وفي حال رفض الشعب يقوم الرئيس بإدارة الانتخابات الرئاسية المبكرة وتسليم السلطة; وهو ما يقي مصر وشعبها سقوط أي ضحايا أو وجود فراغ سياسي في السلطة أو انهيار اقتصادي أو أمني.
ثالثا- المستوي الثالث: حال تعذر المسارين الأول والثاني, فهناك خطورة أن يستمر تحالف وتحريك بعض قوي الثورة المضادة لقوي أخري من أجل الاستمرار في الوقفات والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني, والإعلان عن خطط الانقلاب علي الشرعية والنظام القائم. ولا شك أن مرور الوقت دون قرارات رشيدة فإنه يمنح الفرصة لمثل هذه المسارات المعوجة أن تثير الأوضاع أكثر بما لا تحمد عقباه. إن من أوجب الواجبات تغيير المناح الذي يمنح مثل هذه الممارسات الفرصة لمزيد من العنف والفوضي.
إن المعارضة وأداءها الهزيل والعتيق في صوره النمطية السابقة منذ وصول الرئيس, والتي تتضافر بعض روافدها الثورية مع فلول النظام السابق تحت ذريعة مناوأة الإخوان والرئيس, هذا الأداء لم يعد مجديا أو مؤثرا; ومن ثم فإننا نسنتفر كل القوي السياسية ووطنيتها أن تشكل معارضة حقيقية رشيدة, تقدم البدائل وترشد المسار وتسهم في وضع أطر لحياة سياسية فاعلة وعادلة. فهناك فارق بين أن نؤسس لمعارضة رشيدة في إطار عملية استكمال مؤسسات نظام ديمقراطي جديد وبين الانقلاب علي الشرعية وهدم النظام لمصالح حزبية ضيقة. وأخيرا نرجو من الجميع استدعاء حب الوطن وتغليب مصلحة الشعب علي أية مصالح خاصة. وليقسم الجميع علي أن يكون ولاؤنا لله, ثم الوطن والشعب.