
نَشْرٌ المقال في “العربي الجديد” بتاريخ: 05 سبتمبر 2014
من مظاهر الانقلاب الشامل أن تختلط الأدوار والمهام، وتلتبس المقامات والمقالات، خصوصاً حين يتحول الوطن إلى مسرح هزلي كبير، أو ملهى ليلي للجميع، فتجد سياسياً يرقص، ورجل دين يطبل، وإعلامياً يزمر، ومثقفاً يضرب الصاجات، ورجل أعمالٍ ينثر على رؤوسهم (النقود).
من ذلك أن تجد رجلاً، من المفترض أنه يقود وزارةً ذات دور ووظيفة في سلك مصالح الوطن، دور ووظيفة ليسا مجهولين ولا غامضيْن.. وإطار ديني دعوي علمي، له سماته ومميزاته وواجباته وممنوعاته، وفروضه ومحرماته. لكن، يأبى إلا أن يقفز إلى دور الأمنجي قلبًا وقالبًا.. ويتشبث بهذا الدور، كلما جدّ جديد، وربما بدون مناسبة.
كان الدعاء من المشايخ وعموم الناس الذي أورده الجبرتي في مواجهة حملات الفرنسيس في مصر “يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف”، ومع الحملة الانقلابية والغارات الخائبة لوزير الأوقاف في مصر، والتي لا تنقطع، وضمن “المسار الأمنجي” في الدين، وجعل مساحاته ضمن تحكم الأمن وخطاب يحاول أن يجعل من أي خطاب آخر غير خطاب سلطة الانقلاب عن الدين “تجارة فيه” ، إلا أن هذا الخطاب الأمنجي لوزير الأوقاف ليس إلا الغش والتزوير بعينه، ضمن تجارة أمنية في التحريض والكراهية.
أيها الصوت الذي يخرج علينا كل حين بما لا يليق بمقامه: ما حقيقة دورك، وماذا تعرف عن “الأمن القومي المصري”، حتى تنصب من نفسك، كل حين، متحدثًا باسمه، محتكرًا لفهمه، مدافعًا عن حياضه، حارسًا لبواباته. وما أنت، وانقلابك إلا ثغرة في جداره، ومعول هدم في بنيانه؟ هل تحسب أن أمن مصر هو ما يعبّر عنه خطابك وخطاب من عيّنك، وجعلك “مختارًا” لتتحكم في صلاة “جمعة”، ومسجد ومنبر ودعوة ودين؟ ألا بئس الفهم وبئس الوهم وبئس النهم!
تقول بكل طلاقة عن هؤلاء الرافضين منقلبكم وانقلابكم إرهابيين، متحالفين مع هذا التنظيم، أو تلك القوة. تدّعي هكذا بغير دليل، وكأنك أنت الدليل، وبغير إثبات، وكأنك معصوم من الكذب، فضلا عن الوهم. إذا كنت صادقًا في دعواك هذه، فلمَ لا تتقدم لنائبك العام، وأنتما من مدرسة واحدة، ببلاغ يحتوي هذه الأدلة، أم أنك لا دليل عندك؟ وما أنت إلا (مبلغ) رسالة أمنية و(مخبر) عن لعبةٍ سياسيةٍ، لم يجدوا أنسب منك لترويجها؟
ثم مالكَ تدخل في النيات، فتتحدث عمّن يلبسون ثياب التماسيح؟ ويظهرون ما لا يبطنون؟ أطلعت الغيْب؟ أم ترجم رجم الغيب؟ كيف ستقول للناس بعد ذلك: “إن الظن أكذب الحديث”؟ وكيف ستقول لهم: “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالةٍ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”؟ والله تعالى يقول: “فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ”؟
ثم من المضحك أن تقول، في بيان رسمي، “ملابس التماسيح”، هل للتماسيح ملابس؟ من علمك أن تتكلم؟ ألا بئس المعلِّم وبئس المعلَّم!
أيها الصوت الفحيح..
ألستَ، في بيانك هذا، تخلط الدين بالسياسة خلطًا مؤسفًا؟ وتنحاز لجهة سياسية تقصر عليها زورًا معنى (الوطن والوطنية) ومعاني صدق الوطنية والحرص على الاستقرار، وتعادي جهة سياسية مصرية أخرى، تلفق لها التهم التي لم يثبت منها شيء، وترميها قذفًا بكل نقيصة، وتتحدث عن دول، ودول، … وتقدم للسياسة مفهوم الـ (وان واي one way).
ثم هل تهددنا: من أراد الحياة الآمنة السليمة لنفسه، فليفعل كذا (ظاهرًا وباطنًا) (ورحمة الله عز وجل أوسع)؟ أتملك رحمة الله وتحجرها على من يذعن لانقلابك؟! ألا فاسمع إن كنت تسمع، إما أن تقف على أوقافك، وتدعو بدعوتك، وتتدين بدينك، وتحمل وزر وزارتك، بما يرضي الله، حمل الحفيظ العليم، وإلا فانتسب إلى حزبك صراحةً، ولا تكن أنت ممن يروغ ويراوغ، ويخدع ويخادع، ولا تهدّد ولا تتوعد، فأنت، كما تعلم، أضعف من أن تخيف، وأوهن من أن تؤثر.
وراءك من يطبّل ويزمر، من يمثل التدين المغشوش، ممن انقلب على وجهه، وصار بعد الجهد والجهاد يبيع دينه بعرض من الدنيا. قل له ولمن يحركه: كن أكثر ذكاءً، واحتفظ بفاصل بين المبلغ والمخبر، وإذا كانت (مصلحة الوطن لا تقتضي أي مجاملة)، وإذا كان أمنها في صف 3 يوليو، فباسم من تتحدّث، اليوم، أيها القيادي الإرهابي المحظور أمس؟ ألم يكن ممنوعاً من دخول مصر بأمر من نظام مبارك الذي يعيده 3 يوليو؟ ألم يكن مصراً كل الإصرار على فكر وحركة وتنظيم إرهابيي اليوم؟ أين توبتك الصريحة؟
كلاكما سواء، صوتان ينعقان في الفضاء.
هذا كان جزءاً من رأس جمعية شرعية، أكل من خيرها ما هو معلوم، ثم لما انقلب كانت أول ضحاياه وفرائسه، وذاك كان قيادياً في جماعة محظورة، يتحرك ويتحدث في العالم باسمها، ثم حين انقلب، إذ به يشيطنها، ولا يصارح الناس بأي جريمتيه: جريمة العمر من البقاء على رأس الجماعة، حتى عبر الثلاثة والسبعين عاماً، أم في الانقلاب عليها في عاميه الأخيرين؟
ونحن الذين لم نكن هنا، ولا هناك، يصر هؤلاء الموتورون على تهديدنا واتهامنا بما عاشوا فيه وكبروا عليه.