نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 25 مايو 2013
إن ما حدث فى سيناء درس لابد أن نقف عنده، فى إطار يولَد من بطن الشر خير، يجب أن نقف فيه عند المدخل الاستراتيجى الذى يولد من جوف الحدث وذلك بالتوقف عند مجموعة معطيات استراتيجية:
سيناء بوابة الاستراتيجية للدولة المصرية فى ذاكرة الأمة المصرية، فسيناء ليست موضعا جغرافيا ومكانيا ولكنها فى حقيقة الأمر على حد تعبير جمال حمدان موقع استراتيجى؛ هى بوابة مصر من الشرق، تشكل فى حقيقة أمرها مدخلا لحماية أمن مصر القومى والحفاظ على سيادة الدولة والوطن.
الأمن القومى من الأمور التى تخص الوطن والدولة لا تدخل فى باب التراشق السياسى، ذلك أن الأمن القومى يشكل القاعدة الأساسية التى يلتف حولها الجميع والتى لا تشكل بأى حال مادة للتراشق السياسى من مثل الاختلاف على قانون أو موقف أو غير ذلك من شئون التنافس والتداخل السياسى، الأمن القومى هو حالة إجماع وطنى لا يستطيع كائن من كان أن يفرط فيه أو يلتف عليه أو يتهرب من استحقاقاته.
الأمن القومى يرتبط بمفهوم أوسع ألا وهو الأمن الإنسانى، إن هذا الأمر الذى يربط بينهما إنما يشكل حقيقة كبرى بالنظر إلى بوابة سيناء الاستراتيجية، ذلك أن معنى الأمن الإنسانى فى هذا النظر يعنى ضمن ما يعنى، القيام بحل تلك الإشكاليات التى تراكمت فى الوسط السيناوى من قضايا الأحكام الغيابية، ومن المسائل المتعلقة بتمليك أرض سيناء لأهلها، ومن تحقيق كل المطالب التى تنفى حقائق التهميش التى طالت أهل سيناء فى إطار جامع يؤصل معنى جعل المواطن السيناوى جزءا لا يتجزأ من عملية صناعة الانتماء فى سياق المواطنة الكاملة، إن المعانى التى تتعلق بالرباط على الثغور تجعل هؤلاء فى قلب الاهتمام بالسياسات وبالشئون التى تتعلق بهؤلاء كحائط صد لكل خصم يأتى من الشرق، فالأمن الإنسانى هو المدخل الأصيل لتحقيق الأمن القومى على امتداده.
الفراغ الأمنى لابد أن يملأ، ومن هنا فإن هذا الفراغ الذى أحدثته اتفاقية كامب ديفيد لم يعد مقبولا، لابد أن تكون هناك خطة استراتيجية متكاملة تعنى بضرورة تواجد القوات الأمنية الكافية عسكرية وشرطية وجودا دائما مكينا، سواء كان ذلك بفعل الأمر الواقع أو وفق المداخل القانونية اللازمة بضمان الوجود البارز لهذه القوات والذى يؤكد على أن مساحات الفراغ الأمنى ملئت ولم يعد هناك مجال لمن يريد أن يعبث بأمن سيناء أو الأمن القومى لهذا الوطن، هذا النظر إنما يشكل طاقة حيوية تمثل التصورات الجديدة للثورة المصرية للتأكيد على الاستقلال النابع للإرادة المصرية لأن ذلك مما يحفظ استقلال ومكانة هذا الوطن.
تكامل أجهزة الدولة المختلفة فى إدارة الأزمة، لاشك أن ما حدث فى خطة إطلاق سراح الجنود المخطوفين إنما يعبر عن منظومة متكاملة فى التعاون والتكامل والتخطيط الذى يشكل عناوين مهمة فى إدارة الأزمات، وهو أمر يحيلنا إلى ضرورة أن يكون ذلك نموذجا يحتذى بحيث يشكل بهذا إدارة الأزمات جهازا مؤسسيا دائما يكون من أهم الأجهزة فى مؤسسة الرئاسة، ذلك أن إدارة المرحلة الانتقالية تتطلب جهازا من هذه النوعية يعالج الأزمات ويواجه التحديات بالسرعة الواجبة والخطط اللازمة.
إن الجيش قام بدوره الأساسى الذى ارتبط به وتعين عليه فى نموذج متميز من الأداء فى خدمة الوطن، دور يختص بالجيش واختص به الجيش، ليعبر بذلك عن تلك الصفحة الجديدة فى كتاب العلاقات المدنية العسكرية وبما يحقق للجيش مكانته وللوطن كرامته وللسلطة المدنية قدراتها فى إدارة الدولة والمجتمع، إن ضبط العلاقة بين السلطات والمؤسسات صار من الأمور الواجبة التى يمكن أن تشكل ضمانا لكيان الثورة واستمراريتها وبلوغ أهدافها ومقاصدها.
الشعب هو الظهير الحقيقى سواء فى سيناء البوابة أو فى مصر بأسرها، إن النظر إلى الشعب بأنه الرصيد الحقيقى للحفاظ على هذه الثورة المصرية وحماية مكاسبها ليشكل ضمانة أساسية فى مثل هذه الأحداث التى تتعلق بالأزمات، هذا الشعب يعطى درسا للجميع فى اصطفافهم إذا ما هدد الأمن القومى لمصر الوطن ومصر الثورة.
استثمار هذه المعطيات الاستراتيجية يكون فى صناعة فرصة يجب ألا تفلت من بين أيدينا جميعا فى إطار بناء مداخل أساسية لصناعة التوافق السياسى:
الدعوة للتوافق السياسى بين القوى السياسية والمجتمعية المتنوعة وبما يحقق اصطفافا حول قضايا تتعلق بالأمن القومى الجامع الذى يؤكد ضرورة أن تبرز هذه القوى الحامية للكيان والوطن من مثل هذه الأعمال التى تهين الثورة والمجتمع والدولة والوطن.
الدعوة لمشاركة الجميع فى بناء رؤية استراتيجية مستقبلية واعدة وواعية لسيناء ومحور قناة السويس بما يحفظ الأمن القومى لمصر وسيادة الدولة فى إطار خطة تنموية جادة واضحة وفاعلة، إن المدخل التنموى هو جزء لا يتجزأ من بناء مفهوم الأمن القومى عبر تمكين الأمن الإنسانى.
استثمار طاقة الحدث فى سيناء لفتح ملفات التنمية لمصر كلها وملفات عملية التحول والانتقال الديمقراطى، وهو أمر يجب أن يسعى لإحداث التوافق السياسى حول ملفات أساسية تسهم فى صياغة مستقبل الثورة المصرية ومصر الجديدة، إن هذه الملفات العالقة بفعل الاستقطاب الحادث آن الأوان لأن تكون محل شراكة الجميع ومشاركة جميع القوى السياسية بما تزخر به من كفاءات قادرة على التعامل مع هذه الملفات التى لا يستطيع كائن من كان التفرد بمواجهتها أو التعامل مع تحدياتها.
إن القدرة على استيعاب فاعليات الدولة ومؤسساتها المختلفة تفرض علينا ضرورة التعامل الهادئ مع مؤسسة العدالة، وعلى مجلس الشورى أن يعلق كل عمل يتعلق بمناقشة قانون السلطة القضائية واستئناف كل ما من شأنه التمكين لمسار مؤتمر العدالة.
إن دعوة الرئاسة وبشكل مباشر للقوى المعارضة خاصة جبهة الإنقاذ للاجتماع مع مؤسسة الرئاسة لاستنهاض واستنفار مبادرة «بوابة سيناء طريق التوافق حول قضايا الوطن» أمر واجب النفاذ، إن نداء سيناء للوطن هذه المرة يجب أن يلبى فى إطار مطالب وطنية تحمى الثورة والوطن معا، الوطن يسع الجميع وتأسيس مستقبله صناعة الجميع.
إن حملة الاحتجاج التى يقوم بها بعض الشباب فى حملة «تمرد» عمل رغم أننى لا أوافق عليه من حيث المبدأ والأسلوب إلا أن الاستمرار فى هذا الطريق يجب ألا يمنعنا بأى حال فى السير على طريق التوافق لو فتحت أبوابه، وأرجو ألا يغتر أحد بهذا الإنجاز فيسير فى طريق التغافل عن القوى السياسية والمجتمعية الأخرى، ولا تضيع القوى المعارضة تلك الفرصة فى بناء صفحة جديدة من الثقة ورصيدها الذى يمكن أن يتنامى ويتراكم، إن انفتاح أفق التعامل السياسى بخطوات جادة تحملها الرئاسة فى مبادرة واسعة عنوانها حسن النية وتحقيق كل ما من شأنه أن يرسخ عناصر بنية تحتية للتوافق السياسى والمجتمعى هو الطريق الأفضل والأسلم والأليق والأمثل.
يا أهل مصر ـ سلطة ومعارضة ـ افتحوا صفحة الأمل الجديد فى كتاب مصر الثورة، من صفحته الأولى سيناء، فلنكن هذه المرة على مستوى مصلحة الوطن وبناء مستقبل ثورة مصر الجديدة (كمثل قوم استهموا على سفينة)، «سفينة الوطن».