نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 11 مايو 2013

إن الأمر الأساسى الذى يمكن أن ننظم فيه المشاهد السياسية المختلفة إنما يتعلق بما يمكن تسميته بصناعة التوازن السياسى، فالتوازن السياسى فى هذا المقام لا بد أن يستند إلى ميزان أساسى يشكل مواقف جديدة فى حياتنا السياسية ويؤسس لانطلاق حالة من التدافع السياسى مقرونة بعمليات سياسية تتسم بالتنافس والقدرة على إدارة المواقف السياسية بالفاعلية الواجبة فى سياق توازن بين السلطة والمعارضة فيجتمع لها ميزان للقيم السياسية وميزان للخطاب والأقوال وميزان للأفعال، هذه الموازين هى التى يمكن أن تنتج مواقف أساسية واضحة تتسم بالثقة والاتساق، تجعل من السياسة معاش الناس وليست قضية سلطة وتنافس عليها، فإذا تمكنت السلطة من النفوس كانت السياسة كنخر السوس.

وحينما نتحدث عن التوازن السياسى وصناعته فلا بد لتحقيق ذلك من أدوات وآليات، فلا تقتصر على المطالبات أو الممانعات ولكنها تحدث هذا التوازن فى إطار صناعة متراكمة تعبر عن أقصى فاعلية تحاول أن تجسر فجوات التوازن ما بين السلطة والمعارضة، إذ تتسم من المعارضة بقدر من المبادرة والقدرة على بناء المواقف الجادة والفعالة لا تلك المواقف التى ترتبط بمطالبات غير مسئولة وغير مقبولة أو معقولة، خصوصا فى خطاب وأفعال لا تملك منطقا يتسم بعضها بالمكايدة السياسية ويتسم البعض الآخر بالمراهقة السياسية، وفى هذا المقام نحاول أن نختبر مقولة صناعة التوازن السياسى وفق ميزانها الأساسى فى حالتين تتخذ فيهما المعارضة مواقف ومسارات للسلوك تحتاج إلى تفسير.

الحالة الأولى: حالة وزير التموين حينما يُتعامل معها كحالة انتخابية لا حالة إنجازية، ولسان حال المعارضة يقول لوزير التموين يجب أن تكون فاشلا، احذر لا تقترب من الشعب ومشكلاته التى يجب أن تقوم على حلها، عليك أن تسلك مسالك الفشل حتى لا تبلغ الأهداف ولا ترضى هذا الشعب أو تحل مشكلاته، لأنك فى التحليل الأخير تؤثر عليه وإن أى تأثير إيجابى هو مما يؤثر فى نتائج الانتخابات وما يعد رشوة انتخابية لشعبك، كذلك فإنك تدعو بعضا من أدواتك من حزب الحرية والعدالة يسيرون الأمور وييسرون المشكلات، فينسب الفضل فى حل مشكلات الناس لكم وهذا تأثير على الحالة الانتخابية واختيار وقرار الناخب.   هذا تركيب لمشهد مختل الرؤية، تعالوا نُعِدْ تركيب المشهد كحالة إنجازية لا كحالة انتخابية، وزير التموين يقوم بعمل مهم فى التخفيف من أعباء الناس، بعد أن ضاقت بهم وزادت عليهم المعاناة، وزارة التموين ترتبط بأداء بعض خدمات الناس اليومية والمعاشية، وتحقيق الهدف الأساسى فى مطالب ثورة يناير المباركة (العيش الكريم)، ضمن مربع الشعار العبقرى عيش، كرامة إنسانية، حرية، عدالة اجتماعية، العيش والخبز والمعاش قضايا بعضها من بعض، من هنا فإن الوضع الانتخابى يجب أن يكون حالة انتخابية عادلة كاملة تؤكد على فعل التوازن السياسى وفق ميزان معلوم، يعنى أن ما يفعله الوزير هو عين ما نريد، إلا أن الأداء محصور فى أدواتك من حزب الحرية والعدالة، دعنا أيها الوزير نشاركك فى الإنجاز والنجاح، افتح لنا مسالك المساهمة فى خدمة الناس فتتكافأ الفرصة وتتوازن الحركة ونحقق الإنجاز والهدف معا، اطلبوا ذلك وأضمن لكم الإجابة والاستجابة لو أردتم خدمة الناس فى معاشهم ويتيسر الحال ويتحسن المآل». أما أنتم أصحاب الفضائيات تخوضون معارك الشعب فى إعلامكم فحسب وتتحدثون عن الشعب فى مجالاتكم الافتراضية، وتنسون أن الشعب هو الحقيقة الكبرى لا كيان افتراضى، هو حقيقة الناس وملح الأرض من أراد خدمتهم فعنوانهم معروف، هم موجودون فى كل مكان من أرض مصر يحتاجون إلى كل من يعينهم، لا من يتحدث عنهم بالكلام الساكت الذى لا يؤتى أثرا، والكلام الزاعق الصارخ الذى لا يطعم أحدا، وزخرف القول الذى لا يقدم عيشا، وفائض الكلام الذى يزايد به من يزايد، والذى يمثل ضجيجا ولا نرى منه طحنا، الكلام أيسر بضاعة وآن الأوان أن يقوم جيش من الناجحين ليواجه كل مطالب هذا الشعب وتحقيق ضروراته وآماله، إن الشعب لا يأكل كلاما ولا يُطعم ألفاظا، ولا يحتمل فلسفة نخبة لم تعد تجيد إلا هجاء هذا الشعب تارة تعايره بفقره وتارة أخرى تتهمه بأميته وجهل اختياره، فماذا فعلتم أو ستفعلون بفقره وأميته.

أما أنتم أصحاب الياقات البيضاء فتمارسون السياسة من منازلهم لا من شوارع الناس وهموم الشعب وخدمات الجماهير، ياقات بيضاء لا تريدونها تتسخ بعرق مساعدة الناس والعمل من أجل تخفيف همومهم وتيسير حاجاتهم، كلام كلام، لا نأخذ منكم سوى الكلام.

إن كنتم تريدون عملا حقيقيا يتعلق بفهم السياسة بكونها معاش الناس، هلموا إلى ساحات العمل، تعالوا إلى شعبكم وهمومه وقضاياه، أين انتم من الشعب؟ وأين الشعب منكم؟!

أم أنتم أدمنتم المعارضة والممانعة والامتناع والاحتجاج.. قدموا لنا رغيفا ولا ترموا مولوتوفا قدموا لنا طعاما ولا تلقمونا حجرا.

تعالوا ننظر إلى أمورنا كحالة إنجازية لا حالة انتخابية، فلا نقطع الطريق على النجاح بدعوى أن ذلك يؤثر فى الانتخابات، تعالوا إلى أسواق الخبز والمعاش وأسواق هموم الناس والعيش، فشاركوا الناس من أجل الناس، إن الناس لا تطلب من يتكلم عنهم ولكن لمن عمل لهم ومعهم.

الحالة الثانية: حالة سحب الثقة من الرئيس، إنهم يهدفون إلى تجميع خمسة عشر مليون توقيع من الناس لسحب الثقة من الرئيس كما يدعون، ويتابعون دعواهم من أن الانتخابات المبكرة عمل ديموقراطى تعرفه الديموقراطيات العريقة، أقوال حق يراد بها باطل، تعبر عن حالة من العشى السياسى والحول السياسى الذى يقصد هدفا فيذهب إلى طريق آخر لا يوصل إلى الهدف، الانتخابات المبكرة يا سادة تكون بطلب من انتُخب، لأن الانتخابات إجراءات وتوقيتات فى أصلها.

أيها النخبة العاجزة بدلا من أن تجمعوا التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس، اعملوا على جلب الثقة فيكم من شعبكم بعملكم وجهدكم، إن نجاحكم لا يكون إلا بفشل أو إفشال الآخرين، وبدلا من أن تجمعوا توقيعات خمسة عشر مليونا، اعملوا من أجل هؤلاء الملايين، حتى يصوت لكم الخمسة عشر مليونا فى الانتخابات القادمة بالعمل الدائب والالتحام القائم بهموم الناس وقضاياهم المعاشية والحياتية، فتملكوا أغلبية القرار والتدبير أو أكثرية بالغة التأثير، احملوا التفويض من شعبكم للعمل من أجلهم بالنيابة الفاعلة والتمثيل السياسى المؤثر فى مساحات الفعل السياسى والفاعلية، دعوكم من مسالك الخيبة والفشل إلى مسالك التأثير والفاعلية والنجاح. أقول لكم صادقا احسموا أمركم لصناعة التوازن السياسى المزروع فى حياة الناس وخياراتهم وأهم أدواته الانتخابات التى تحدث عناصر تمثيل حقيقية وتأثير وفاعلية. السؤال المركزى فى هذه المرحلة هو كيف نصل إلى نقطة التوازن التى لا تجعل الطموح السياسى المبالغ به لبعض القوى السياسية سببا فى تجاهل الواقع أو التعامل معه. الانتخابات يا سادة فرصتكم أن تعملوا مع الناس ومن أجل الناس، الطريق إلى الشعب مألوف معروف، إحزموا أمركم، كونوا مع الناس يختاركم الناس، إنه الميزان الأساسى فى صناعة التوازن السياسى، الميزان فيه الشعب وصناعة التوازن فيه أفعالكم وقدراتكم لاكتساب ثقته، من دون إخسار أو خسران ومن دون جور أو طغيان،» وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، ألا تطغوا فى الميزان».