نشر المقال في جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 9 فبراير 2013

من المهم فى هذه الآونة أن نؤكد على الدور الوطنى للأزهر الذى يستمد من رصيد الذاكرة الحضارية التى جعلت الأزهر مؤسسة من أهم المؤسسات فى تاريخ الشعب المصرى وثوراته ضد الاستعمار وفى مواجهة الاستبداد، ويتأكد هذا الدور الوطنى حينما نميز بين دور سياسى وآخر وطنى، وواقع الأمر أننا مع هذا الدور الوطنى لا السياسى لمؤسسة الأزهر، الدور الذى تحركه بواعث الوطن، وحماية كيانه، وترسيخ مكانته ومقامه، أما الدور السياسى فإنه ينحصر فى آليات السياسة فى إطار من التنافس السياسى، وفى هذا السياق فإننا نربأ بهذه المؤسسة وبذاكرتها التاريخية، وبرصيدها الحضارى أن تدخل ميدان السياسة بالمعنى الضيق لها فيصير قوة من القوى، أو قبيلة من القبائل، الأزهر فى دوره الوطنى كان دائما فى حركته وفى فاعليته، يفكر ويمارس بسعة الوطن وأهدافه، وحركة الوطن ومصالحه العليا، هكذا كان الأزهر دائما حينما وقف مع شعبه يعبر عن آلامه، وعن مصالحه الكبرى التى تشكل مستقبل هذا الوطن.

وفى هذا المقام ومن وحى هذه المقدمة فإننى أوجه رسالة للجميع؛ لذلك الشباب الذى أسهم فى دعوة الأزهر لكى يتصدر مشهد يشكل بحق نداء وطن وضمير أمة، وكذلك أنادى على كل القوى السياسية وجميع المؤسسات التى تنخرط فى الحياة السياسية ألا تدع فرصة وثيقة الأزهر أن تفلت لأنها بحق تؤكد على خروج ذلك الوطن من أزمته، ذلك أن ترجمة الثقة فى هذا الكيان فى وقت عزت فيه الثقة وازدادت فيه الفجوة بين الرفقاء الذين صاروا فرقاء، وتآكلت المصداقية لكل منهم، وبدت صناعة الشك هى سيدة الموقف فى كل أمر يتعلق بسياسة أو بتقييم هنا أو هناك، فإن ميزان الثقة حينما يتمثل فى مؤسسة الأزهر، فإن ذلك يشكل بحق فرصة يجب ألا تفلت من بين أيدينا، يجب أن نتمسك بها ونفعّل خطواتها، حتى يقوم الأزهر باستكمال مساراته الوطنية فى إنقاذ الوطن، والتعبير عن ضمير هذه الأمة، يواصل هذه المسيرة فى إطار يعزز الثقة فيه، ولا يقطع عناصر الأمل فى وثيقته ومبادرته من أجل هذا الوطن، ويجعل من بعض تلك التصريحات المتراجعة دافعا له أن يستمسك بهذه الوثيقة فى رؤيتها القيمية والتى شكلت بحق ترسيخ مثلث؛ فاعلية الشباب، وعدم مشروعية العنف، وضرورات الحوار الملتزم والمنضبط والمحوط بضمانات تؤكد على توافقاته وتحقق التزاماته وتترجم مقتضياته واتفاقاته، ويجب أيضا على الشباب أن ينهض مع الأزهر يدا بيد بحيث يحمل ثقة الأزهر إلى كيان المجتمع حتى يمكننا الخروج من أزمة الوطن. وهنا وجب علينا أن نحمل هذه الوثيقة لتشكل حالة دافعة وأداة رافعة لهذا الوطن، فى إطار سباعية تشكل ضمانات لحوار يكون بمثابة العقد الغليظ الذى يرتبط بهذا الوطن والخروج من أزمته وحماية كيانه.

الأمر الأول: يعبر على أن مؤسسة الأزهر تشكل أكبر ضمانة لمسيرة الحوار والالتزام بنتائجه وذلك بإشاعة جوهر الثقة الذى تتمتع به هذه المؤسسة فى كيان المجتمع وبين القوى السياسية المختلفة والمتنافسة بما يشكل صمام أمان وضمانة أكيدة لهذا الحوار وأهم ثماره ونتائجه المأمولة.

الأمر الثانى: يرتبط بلجنة الحوار التى اتفق المجتمعون فى رحاب الأزهر على تشكيلها وتمثيل القوى فيها بطريقة ناجزة عادلة، تحقق المقصود منها فى البحث لتحديد حالة الحوار، والتأكيد على أهم شروط فاعليته، وضمانات نتائجه، وقدرات أطرافه، وإدارة الحوار بكل أشكاله فيما يتعلق بقضايا وتحديات هذا الوطن، وبناء رصيد وأرضية من الثقة لممارسة حوار فعال يسترد به الوطن عافيته ويؤمن كيانه.

الأمر الثالث: علانية الحوار، وشفافية وقائعه بما يؤكد أن الحكم الأساسى إنما يمثله هذا الشعب بكل طوائفه وكل امتداداته لتكون كل القوى؛ رئاسة وأحزاب وقوى مستقلة ونقابات وتكوينات تمثل المجتمع المدنى، بحيث تتحرك كل هذه القوى فى إطار يجعل من هذه الشفافية سقفا لممارساته وعلى التزاماته، كما يشكل فرصة وميدانا لدعاية كل منخرط فى العملية السياسية ومقبل على حالة انتخابية للأطراف المختلفة؛ بحيث يمكن أن يحقق ذلك ضمانة حقيقية يمنع حال المزايدة والمكايدة السياسية أو حال التربص السياسى، ذلك أن عين الشعب تراه وتقيم أدائه وتحدد إخفاقاته ونجاحاته.

الأمر الرابع: يتعلق بضمانة الشباب النقى، ذلك الشباب الذى حمل هذه الوثيقة مع أزهره ليعبر عن طاقة حيوية وفاعلية تؤكد أن هذا الشباب يجب أن يكون فى صدر المشهد لأنه فى حقيقة الأمر هو الفاعل الحقيقى فى هذه الثورة وصاحب المصلحة الأول فيها، وأن من سقط من الشهداء الذى شكل قدسية هذه الثورة، وعقد بين الثوار وثورتهم إنما يدعونا إلى استنهاض هذا الشباب الحكيم كضمانة حقيقية تتكافل مع ضمانة الأزهر وضمانات أخرى لتعبر عن حكمة الشباب باعتبارهم شهوداً على هذا الحوار وضمانة لنتائجه، شهود الثورة العدول بما يحملونه من أشواق لتحقيق أهداف هذه الثورة واستكمال العمل من أجل تمكينها وتأمين مكاسبها وبلوغ غاياتها.

الأمر الخامس: يتعلق بضمانة القوى السياسية، ولا يستغربن أحد كيف تكون هذه القوى وقد افترقت وتناطحت أن تشكل ضمانة على ذاتها، ذلك أن هذه الضمانة إنما تنصرف إلى قيام هذه القوى السياسية بتوقيع وثيقة ملزمة وضامنة ذلك فى إطار عمليات التعديل وفقا لما تقتضيه القواعد المختلفة التى تحكم ذلك، ويكون الخروج على ذلك أو التصويت ضد المتفق عليه بمثابة خيانة للأمانة من أى من قام بذلك، تستوجب مساءلته، بل وكذلك تستوجب معاقبته، فى إطار ما يتيحه الدستور والقانون فى هذا الشأن.

الأمر السادس: ضمانة وجود لجنة حكماء ومحكمين والتى تشكل الفئة الثالثة التى تقوم بضبط ايقاع الحوار وامكانية إدارته وقيادته بما يحقق الهدف من ذلك الحوار والوصول إلى نتائج متفق عليها تشكل جوهر التوافق والاتفاق بين القوى المختلفة، وتوثق هذا العقد، وتتدخل عند اللزوم لفض بعض اشتباكات الحوار وتقديم البدائل وترجيح الخيارات وتقريب وجهات النظر بما يحقق توثيقا وترسيخا وصياغة لنتائج هذا الحوار من متخصصين يشكل بعضهم من أساتذة القانون الدستورى العاملين بالجامعات المصرية، وكذلك بعض المثقفين الوازنين الذين يشكلون ضمانة أساسية لهذا التعاقد السياسى الناتج عن ذلك الحوار.

الأمر السابع: فى إطار تلك التخوفات التى ترتبط بالانتخابات القادمة فإنه من المهم أن يشترك الجميع ويتوافق فى صياغة تلك المؤسسة المهمة التى أشار إليها الدستور فى تأسيس مفوضية عليا للانتخابات وتحدد المهام لها، وتحصن من كيانها وتشكل أدوات لمتابعة الانتخابات وإدارتها وفق الأصول والمعايير الدولية فى نزاهة الانتخابات وشفافيتها، هذا الأمر ربما يبدد بعض الهواجس التى تأتى من هنا وهناك لتكون هذه اللجنة هى الأساس فى الإدارة المستقلة للعملية الانتخابية.

هذه السباعية إنما تشكل فى مضمونها منظومة من الضمانات تحصن وتؤكد وترسخ وتوثق هذا العقد السياسى الغليظ الذى يشكل بحق مخرجا من أزمة الوطن، وفى إطار نخرج فيه من الاختلاف إلى الائتلاف والتوافق بما يحقق رؤية شاملة فى النهوض بهذا الوطن تقوم به المعارضة قبل السلطة، وبحوارات تتم بالتنوع المطلوب وتمارس على التوازى بما يحقق رؤية متكاملة واستراتيجيات كاملة لمستقبل مصر الجديدة، مصر الوطن، مصر الثورة، هذا كله كان من وحى بيان للشباب استطاع أن يحقق معنى الدافعية لإيراد هذه الضمانات من أجل مصر وثورتها؛ بحيث تشكل هذه المقترحات بعض من الوفاء لدين هذه الثورة ولشهدائها علينا، ألا يستحق هذا الوطن منا أن نفكر فى مخارج لأزمته، لا أن نزيد ورطته. اللهم احفظ مصر، واحفظ ثورتها، واحفظ شبابها، واحفظ شعبها، واحفظ أزهرها.