نشر المقال فى جريدة الشروق المصرية بتاريخ: 21 يوليه 2012
تحدثنا فيما سبق عن ضرورة تأسيس النخبة الجديدة، التأسيس لا بد أن يشتمل على ضرورة تعرية ترزية القوانين والمحللين القانونيين الذين قاموا بزرع حقل ألغام كبير قبيل انتخاب رئيس مدنى تمثل فى ما سُمى «الإعلان الدستورى المكمل»، وبلغة صحيحة «الفرمان غير الدستورى المكبل»، واقترن مع هؤلاء بعض ممن يملكون وسائل الإعلام إن مالا وإن أداء زرعوا حقولا من الفتن والفوضى قبل وبعد انتخاب الرئيس المدنى من الشعب ضمن عمليات تحريضية مباشرة وغير مباشرة، تهدف إلى التمكين لحالة من الإفشال المتعمد وصناعة اليأس والإحباط، فإن كان ترزية القوانين نجحوا فى عملية التكبيل فإن سماسرة الإعلام قاموا بعمليات تلغيم لكل طريق يسلكه الوطن ورئيسه المنتخب تارة بالتحريض وتارة أخرى باستباحة مقام رمزية الرئيس ومؤسساته، وللأسف أن بعض من يستأسدون الآن فى خطابهم كانوا من قطيع الرئيس البائد، يلهجون بذكره ويسبحون بحمده، ويمتدحون سوء عمله، وفعل استبداده.
مع هذه الفترة الانتقالية التى تتسم بالحيرة والسيولة أتى بعض الإعلام ليحول هذه الحالة إلى تربة لصناعة الفتنة والفرقة والكراهية وصناعة الفزاعات والإحباطات، وخرج علينا الإعلاميون بأوعيتهم من صحف وبرامج مسموعة أومرئية ليكرسوا حالة سلبية تتعلق بصناعة الرؤى وصناعة المواقف، واحتضنت ما يمكن تسميته تجاوزا «بنخب إعلامية» تعيشت على برامج وكتابات لا تسهم فى بناء الوطن وتأسيس المواقف فى حالة ثورية أوضحت الكثير من المعانى والقيم المجتمعية التى يمكن لإعلام ثورة أن يؤصل معانيها، ويوطد مبانيها، وينشر جواهرها، ويؤمن مصادرها، ينشأ إعلام من رحم ثورة 25 يناير «إعلام الميادين» معنى ومبنى وقيم وفاعلية، كان فى مقدور هؤلاء وبما امتلكوه من أدوات وبما يحملوه من ملكات ومهارات أن يقدموا معانى القيمة المضافة للثورة، فيصيرون لسان حالها، وأحكام أفعالها، والحفاظ على مآلها، والعمل بأهدافها ومقصودها.
صار الإعلام من أكبر عوامل الأزمة ولم يعد جزءا من الحل وسار الإعلام فى مسارات مهينة نرصدها كالتالى:
إعلام الرويبضة، فى الحديث الشريف توصيف للرويبضة بأنه «الرجل التافه يتحدث فى أمر العامة»، وفى زمن الإعلام المفتوح تتبدى هذه المعادلة أكثر من أى وقت مضى، إعلام المغالطات القائم على الاستخفاف بعقلية المواطن والسخرية منه، إعلام الإعلانات الذى يخلط بين الإعلام والإعلان ،إعلام الفزاعات فى إطار تصفية الحسابات السياسية، إعلام التحريض وصناعة الفتنة، إعلام الإثارة والشائعات.
وفى كل الأحوال افتقد الإعلام مثلث الكلمة المسئولة الذى تتمثل قاعدته فى القيم والأخلاقية ويتمثل ضلعاه، فى المصداقية والشفافية من جانب والمهنية والشفافية من جانب آخر.
الإعلام المصرى يعيش الآن بالفعل أسوأ حالاته تعبيرا والتزاما ودورًا وتمويلا يؤكد عليها الأستاذ فاروق جويدة الشاعر الجليل وأستاذ الإعلام القدير الدكتور محمد شومان.
فكان من أخطر ظواهر الفساد الإعلامى زواج الإعلام والإعلان وتلك العلاقات المشبوهة بين رأس المال ورموز الإعلام والتى وصلت إلى صفقات مشبوهة فى التجارة والسلوك والأخلاق.
وحين تضخم نفوذ رجال الأعمال وتم الزواج الباطل بين السلطة ورجال الأعمال دخل الإعلاميون فى هذه الصفقات وتحولوا إلى أبواق لرجال الأعمال.
ومع اتساع نفوذ طبقة رجال الأعمال دخل عدد كبير منهم سوق الإعلام منتجا ومشاركا وصاحب مشروعات.. وهنا بدأ مسلسل الفضائيات الخاصة والصحف الخاصة وتحولت هذه المؤسسات إلى أدوات نفوذ وتخليص مصالح وافتقدت فى أحيان كثيرة للمعايير المهنية والأخلاقية أمام شراسة رأس المال ومشروعاته التوسعية.
وإذا كانت مؤسسات الدولة قد اخترقت وسائل الإعلام من خلال الإعلانات والصفقات وشراء الضمائر الا أن الغريب أنها سمحت بعد ذلك لرجال الأعمال أن يقيموا تشكيلات إعلامية تحمى مصالحهم.. ثم تطور الأمر وبدأت عمليات اختراق خارجية للإعلام المصرى فى توجيهه وتمويله ومساندته دون رقابة من أجهزة الدولة.
يفتقر الإعلام المصرى إلى أطر قانونية منظمة، ومؤسسات للمحاسبة والتدقيق فى مدى الالتزام بالمهنية ومواثيق الشرف، لذلك تتعاظم تبعية وسائل الإعلام للحكومة، ولرأس المال وشركات الإعلان، وتتقلص حرية الإعلام فى الوقت الذى يتضخم دوره فى الصراع السياسى والاجتماعى، وتتحول وسائل الإعلام إلى أداة دعائية تعكس مصالح الجهات التى تمولها، أو تتحكم فيها، اتخذت شكل الحملات الدعائية، لعل أهمها:
الترويج للمجلس العسكرى والدفاع عنه، تشويه صورة الثورة والثوار، والاغتيال المعنوى لشباب الثورة وقياداتهم، إثارة مخاوف الأغلبية الصامتة من استمرار الثورة، وتأثيرها السيئ على الاستقرار والاقتصاد، وتحميل مسئولية الأمن وتدهور الاقتصاد للثوار، وليس للحكومة والمجلس العسكرى المسئولين عن إدارة البلاد، شن أكبر حملة تفزيع من الإخوان والسلفيين بعد فوزهم فى الانتخابات البرلمانية، تقديم تغطية إعلامية متحيزة فى انتخابات الرئاسة، السكوت عن فتح ملفات الفساد والإفساد فى النظام السابق، نتيجة تورط عدد من مالكى وسائل الإعلام الخاصة فى هذا الفساد، إضافة إلى تحالفهم السياسى مع نظام مبارك المخلوع.
وبدت مؤسسات الإعلام تحكم أزمات المجتمع وتعقدها، بممارسات خطيرة تكرسها، واختلط إعلام الكلمة بالمال السياسى فانحرف إلى أخطر من شراء الأصوات بالانتخابات إلى شراء الآراء والأداء، وظهر تجار الإعلام وسماسرته، وجرت لعبة تزوير ممنهجة على الحق والحقيقة، وصناعة الافتراء، فصار السبق الإعلامى كذبا صراحا، وحرية الرأى تشكيكا بواحا، والاختلاف فى الرأى والرؤية هجاء مستباحا، وبدت مجالس النميمة الإعلامية تنمو وتزداد، إنها تجارة السلطة فى السوق السوداء للتجارة بالوطن بدى فيها تجار الإعلام من مالكى الصحف والقنوات الفضائية وسماسرة الإعلام من معدين ومقدمى برامج، وراغبين فى السلطة لصناعة استبداد جديد واشترك الجميع فى تضليل إعلامى وتحريض مجتمعى وتسميم سياسى، للأسف بعض الإعلام طعام فاسد وسم قاتل فاحذروه.
ونحن على مشارف شهر رمضان أدعو الجميع أن يصوموا عن كل ما يضر الأوطان ويهدد البنيان، ويتغول على معنى المواطن وعقل الإنسان.