نشر المقال في “عربي21” بتاريخ: 26 مارس 2019

كما أكدنا في سلسلة المقالات المتتالية حول مناسبة التعديات الدستورية، فإنه من الواجب علينا الاستفادة من تلك المناسبة كفرصة تعمل على التفاف قوى واسعة من الشعب المصري حولها.

ضمن هذه الرؤية، فإن هؤلاء الذين يمثلون تيار المقاطعة أو هؤلاء الذين قرروا أن يقولوا “لا” للتعديلات الدستورية؛ إنما يشكلون جبهة الرفض الكبرى للطاغية ولكل ما يتعلق بعبثه بمقدرات الدستور والوطن.. إنها حالة الرفض للنظام الفاشي بكل مواقفه وبكل سياساته. ونحن نؤكد المرة تلو المرة أن استثمار هذه النوع من الفرص يجب أن يكون موجها ومحسوبا ومخططا؛ بحيث يشكل حالة تأثير كبرى تحدث نقلة نوعية في مواجهة هذا النظام الفاشي وانقلابه وسياساته.

ونؤكد كذلك أن محاولة هذا الشعب للتعبير عن إرادته وكسر حاجز الخوف إنما تشكل بداية مهمة على طريق الفعل الإيجابي وتوليد الطاقات، واصطفاف الفاعليات والقوى المختلفة لمواجهة نظام الطاغية وسياساته، وهو ما يعني أن حركة واسعة تحمل “لا” كشعار لا تؤكد فحسب أن تشكل حالة احتجاجية كبرى وواسعة، ولكنها تعني كذلك أن “لا” تتسع وتسع الجميع. فالتيارات المختلفة هي داخلة تحت مظلة “لا” لتقول بأعلى صوت: لا للسيسي الطاغية، لا لتعديات دستورية” تنتهك جوهر الدستور وتعبث بكل قواعده التأسيسية، لا لنظام فاشي أصبح يعتمد بناء السجون أكثر مما يعتمد تطوير الخدمات في الصحة والتعليم والنقل.

إن هذا النظام الفاشي الذي يعتمد سياسات خطيرة تعبر عن استبداده الفاجر؛ إنما يؤكد أن “لا” التي يطلقها الجميع هي “لا” موجهة.. لا لتأبيد السلطة، “لا” لحكم العسكر، مصر دولة وليست معسكر، “لا” للإعدامات، وهي كذلك “لا” لمواجهة الاعتقالات، “لا” لأن تكون مصر مجموعة سجون؛ فتكون كسجن كبير للمواطنين المنتهكة حقوقهم بلا حد أو حصر، لا لسياسات تتعمد إفقار هذا الشعب وتجويعه في محاولات تطويعه، لا للظلم الذي شاع في أرجاء البلاد وطال كل مواطن بلا استثناء وبلا رحمة.. لو أطلقنا العنان لكل مواطن أو إنسان على أرض مصر أن يعدد “لاءاته”، فقد تتجاوز تلك “اللاءات” المعتدة المئات؛ للتعبير عن أحوال مزرية في مصر المحبوسة بفعل مستبد طاغية اختطف البلاد بمؤسساتها، واختطف العباد وانتهك كل حق يتعلق بحياتهم وكرامتهم.

“لا” هذه لا بد وأن تكون بحجم الوطن، فهي تصدع أنه “لا” لبيع أرض الوطن أو التفريط فيها، و”لا” للتنازل عن تيران وصنافير، و”لا” للتنازل عن حقوق مصر في النيل ومياهه، و”لا” للتفريط في حقوق مصر في مواردها وغازها، و”لا” لأن تكون سيناء مرتعا للصهاينة مفرغة من أهلها وأبنائها لحساب أمن الكيان الصهيوني الذي أصبح يسرح ويمرح، يفعل ما شاء أنى شاء.. لا لكل تهاون في حق هؤلاء لكل الذين يطلبون التغيير ويشتاقون إليه. وقد اتخذ النظام موقفا دنيئا وحقيرا لتطويق كل تغيير في المنطقة لمصلحة الشعوب، للإبقاء على أمر واقع ظالم هو في النهاية في مصلحة أمن الكيان الصهيوني.

كما أكدنا، فإن “لا” سلسلة لا تنتهي. إن كل فرد من هذا الشعب يحمل لاءاته التي أثقلت كاهله، وآن الأوان أن يقول “لا” متتابعة متصاعدة لمواجهة هذا النظام الطاغي الفاشي. ومن هنا، فإن معركة الضمانات التي تتأكد هي مقدمة لمعارك مهمة في فضح النظام، ولاستئناف حملة كبرى حول عملية التزوير في كل الانتخابات التي شهدتها مصر؛ إلا تلك الانتخابات الوحيدة التي أعقبت ثورة يناير.. إن تلك الانتخابات وتلك الاستفتاءات ليست إلا محض تزوير، وصنيعة النظام الفاشي الذي يمكّن لخيارات الطاغية في مواجهة خيارات الناس وإرادة الشعوب.

ومن هنا، فإن معركة الضمانات، سواء أكانت داخلية أو دولية، هي معركة غاية في الأهمية، نطالب بها ونحن نعرف أن النظام لا يمكن أن يطيق رقابة أو مطالبة بضمانات داخلية أو دولية، أو متابعة الانتخابات والاستفتاءات. لقد اعتاد النظام أن يقوم بالتزوير وأن يبطش بمعارضيه وهو يتحدث عن الالتزام بالحرية وحقوق الإنسان. إنها لعبة النظام الاستبدادي، وآن الأوان أن نطلقها مدوية: “لا” لانتخابات أو استفتاءات بدون ضمانات ورقابة ومتابعة. عمليات بعضها من بعض؛ تؤكد على أن “لا” تريد لأهلها أن تخرج “لا” كما عبر عنها كل من قالها. إن معركة الضمانات في حقيقة الأمر هي مقدمة لخوض معركة التزوير.

وكذلك، فإن معركة المقاطعة الإيجابية التي تظللها “لا”؛ لا بد وأن تتحرك ضمن سياسات واسعة لفضح النظام بكل أفعاله وسياساته، واستنفار الإعلام المقاوم، فضلا عن إعلام الدول الغربية، وكذلك كل منظمات حقوق الإنسان الدولية غير الحكومية.. عملية فضح واسعة ضمن اتصالات متنوعة، لنؤكد مرة أخرى أن معركة الفضح إنما تظل بكلمة “لا” التي تعدد الرفض لكل سياسات النظام الفاشية والفاسدة والفاجرة.

قد يقول البعض: ما بالكم تتحدثون عن معركة لا تؤتي أثرها في منع هذه “التعديات الدستورية” أو بسياسات العبث بالدستور؟ نقول إن “لا” إنما تشكل رمزية لشعب يكسر جدار خوفه، وتعلن “لا” واسعة واضحة للطاغية، وتؤكد على رفض سياسات النظام الفاجرة والفاسدة.

إن “لا” تشكل تطوير عملية الاحتجاج والتدريب عليها، ورفع كلفة نظام السيسي وفضحه ودفعه إلى الزاوية، وإحراج داعميه على المستوى الدولي، واستعادة الثقة في إرادة شعب، وفرصة لإعمال حركة اصطفاف واسعة شعبية وسياسية فاعلة ومؤثرة، لتوسيع الفجوة بين النظام بمؤسساته المختلفة والسيسي الذي صار يهمين على كل شيء، وأن يترافق ذلك مع استراتيجية للخطاب تتوجه إلى كل فئات المجتمع وكل مؤسسات الدولة، في محاولة للنيل من هذا النظام الفاشي، والتأكيد على الدور الحقيقي لكل تلك المؤسسات وتلك القوى.

عمليات تتساند بعضها مع بعض، فلا يمكن بحال أن نيسر على الطاغية طغيانه وأن نمده بالقوة على تهافت أركانه. إن قدرة هذا النظام إنما تتمدد في ساحات تفرق كل القوى السياسية التي وجب عليها أن تصطف لمواجهة الطاغية وأفعاله.

كل ذلك ليس إلا مقدمة لصياغة تصور استراتيجي للحركة السياسية الفاعلة، حتى نصل إلى مشارف انتخابات رئاسية نخوض في تلك الفترة معارك متتابعة ومتصاعدة، تتساند مع بعضها البعض.. إنها معركة النفس الطويل ضمن إدارة (تستند لحقيقة الإرادة) لصراع مع هذا النظام الفاشي.. “لا” تسع الجميع.