
نشر بتاريخ 16 مارس/ آذار 2013 في صحيفة الأهرام
بعد قيام الثورة بأقل من شهر وفي شهر مارس ومفتتح شهر أبريل في العام2011 تحدثنا في كل مكان عن أهمية المشكلة الأمنية التي ترتبط بحياة الناس ومعاشهم,.
وكان هذا الكلام في ضوء رؤية استراتيجية تتطلب من كل من يدير شأن المرحلة الانتقالية أن يتمثل الآية القرآنية أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لنعبر بذلك عن مهام التأسيس التي يجب أن تضطلع بها أي إدارة لمرحلة انتقالية.
الأمر هنا يتعلق بمواجهة الاحتياجات الاقتصادية والمعاشية والضرورات الأمنية والتأمينية; إلا أنه وبعد مرور سنتين مازلنا نطالب من يقوم بإدارة الأمر, وبعد رئاسة منتخبة, فإننا مازلنا نطالب بذات الاستراتيجية التي لم نقدم فيها الكثير بل وصل الأمر فيها إلي حد خطير, وبدت الأمور في حال من التراجع والتدهور لتؤشر ومن كل طريق أن الأمرين لم يتكافآ مع سياسات وقرارات واجبة حتي تحقق الإطعام من جوع والأمن من خوف. وبدت الأمور في غلاء للأسعار, وتفجر المطالب وزيادة الفقراء فقرا واستمرار حال العشوائيات تدنيا, وازداد المهمشون تهميشا, وتراكمت الأمور في هذا الشأن لتمثل مختبرا حقيقيا لقدرات السلطة علي الإنجاز في مجالين لا يجوز بأي حال التخاذل فيهما أو التغافل عنهما.
بدا هذا مؤسفا حينما رأينا حالا من الانفلات الأمني تتراكم مؤشراته في أشكال كثيرة, حيث انتشرت أعمال البلطجة والبيع العلني للمخدرات في الشوارع واقتحام أقسام الشرطة والمستشفيات والمرافق الحيوية وترويع المواطنين وارتكاب حوادث السرقة بالإكراه, وفوق هذا وذاك زادت حوادث سرقة السيارات بشكل ملحوظ, ليضيف كل ذلك إلي ضيق العيش في إطار من الفقر وغلاء الأسعار إلي مزيد من الضيق في معايش الناس في ضوء حالة لا تتمتع بأدني درجات الأمن لتعبر عن سيادة قانون البلطجة في البلاد, إن ما نشهده من انفلات مجتمعي وأخلاقي وأمني لم يكن إلا مؤشرا علي تقصير شديد من جهة الإدارة سواء من قبل إدارة المجلس العسكري أو إدارة الرئيس المنتخب في مواجهة الضرورات الحالة للحاجات الأمنية وتحدياتها.
تذكرت كل هذا حينما عشت تجربة تتعلق بالسرقة ضمن حالات سرقة كثيرة في مدينة السادس من اكتوبر لمجموعة من السيارات, كان ذلك في يوم التاسع من مارس, اليوم الذي توقع فيه الناس حالة من الفوضي بعد حكم المحكمة في مجزرة بورسعيد, وعشت ضمن هذه الخبرة حالة تتعلق بمتابعة بين الهيئات وبين الأقسام للإبلاغ عن هذا الأمر, وفي الأيام التي تلت ذلك فوجئت بمجموعة من الاتصالات من آخرين سرقت سياراتهم, بذات الطريقة لتعبر عن حالة الانفلات الأمني التي نعيش, وبدا هؤلاء يقصون قصص سرقة سياراتهم لم أملك فيها سوي مواساتهم في شأن لا تبدو للجماهير أو الشعوب أو عموم المواطنين قدرة علي مواجهة هذه الأمور الأمنية التي تقوم بها الدولة كوظيفة أساسية تقوم بها وعليها, حتي أن الدولة قد سميت في مفتتح عهدها ونشأتها بوصفها وبوظيفتها كدولة حارسة, ومبلغ علمي في ذلك أن هذه التسمية كانت تجعل من هذه الوظيفة من أهم الوظائف الجوهرية المنوطة بالدولة ونشأتها, ذلك أن مشكلة التعاقد المجتمعي والاجتماعي والذي ولد من جوفه تعاقدا سياسيا لم تقم فكرته إلا القيام بهذه الوظيفة التي تتعلق بالوظيفة الأمنية للدولة, الدولة الحارسة.
بل إن المبرر الأساس في هذا الشأن الذي تعلق بتنازل الناس في تعاقدهم وفق نظرية العقد الاجتماعي عن بعض من سلطانهم وحقوقهم مقابل ما يتوافر من أمن يتكاف فيه الناس عن العدوان علي بعضهم البعض, وعلي حرياتهم وعلي حقوقهم وعلي ممتلكاتهم, وبدا هذا التنازل مبررا لأن تقوم الدولة باستخدام العنف لمواجهة كل من تسول له نفسه بالإخلال بحالة الأمن والأمان والتأمين. وكان كل ذلك يعبر عن أهمية هذه الوظيفة وجوهريتها ومن ثم بدا لي في خاطر مضحك, وشر البلية ما يضحك, أنه مع تنادي المسروقين ومع تواصلهم مع بعضهم البعض للمواساة أو الشكوي فقد مر بخاطري لماذا لا يؤسس هؤلاء نقابة المسروقين حتي يدافعوا عن حقوقهم بمقتضي العقد الاجتماعي والسياسي الذي يجعل من الوظيفة الأمنية أول وظائف الدولة وأول مطالبات الناس في معاشهم وتأمين حياتهم.
إن الناس لا يملكون إلا أن يذكروا كل هذه الرموز التي تقوم بقيادة الدولة أنها لا تقوم بواجباتها الأساسية في تعميم حالة الأمن علي البلاد والعباد, ولم تنجح أجهزتها علي أن تقوم بوظيفة التأسيس تلك, ولم يشعر الناس إلا بمزيد من الخوف والرعب, وفي أيام تلت لحوادث السرقة التي أشرت إليها, شهدت إحدي المدارس في6 أكتوبر دخول بعض هؤلاء الذين روعوا الناس والأطفال وهي حال تعبر عن حال الانفلات الأمني الذي ساد وعم وانتشر وطم. ألسنا بهذا ندفع ضريبة الخوف والترويع, ذلك أننا لم نأخذ مأخذ الجد المسألة الأمنية التي ظللنا بعد سنتين من قيام ثورة25 يناير نطالب بتوفير الأمن والأمان كقاعدة ذهبية لتحسين معاش الناس وتحريك الاقتصاد ودعوة الاستثمار لنحقق كل تقدم وازدهار؟. أليس تحقيق الأمن هو الشرط الأصيل الذي يمكن أن يشكل حالة دافعة وآلية رافعة للوطن في أمانه واستقراره حتي يشرع في مسار تقدمه وإنمائه؟.
أليس الأمن بذلك يعبر عن الحقيقة الكبري التي تعلق بقيام هذه الثورة المباركة وما تطلبته بعد ذلك في النظر إلي طبيعة الجهاز الأمني وحركته وهيكليته, أليس ذلك يعني ضمن ما يعني أن الجهاز الأمني والشرطي يشتمل علي عناصر كثيرة منها الصالح والطالح ومنها الصحيح والفاسد وأن الاهتمام بهذا الجهاز الذي يحقق أمن المواطنين في معاشهم وحياتهم هو الأمر الذي يجب أن يكون في قمة أولويات أي من كان يقود البلاد ويدير شئون العباد؟.
إن دلالة ما يحدث للناس إنما يؤشر علي عموم البلوي الأمنية في هذا المقام وفي إشارة متميزة علي قمة الانفلات الأمني حينما تتعرض إحدي سيارات الرئاسة للسرقة, وتتعرض سيارة محافظ البنك المركزي إلي التوقيف والسرقة, ومحافظ كفر الشيخ بتوقيفه وسرقة سيارته, ألا تكون كل تلك الاحوال دافعا لدولة تنال من رمزيتها حال من الانفلات الأمني تطول قيادتها ولا تتحرك الحركة المناسبة بالسياسة العاجلة والقرار الحاسم لمواجهة كل ذلك في إعادة تشييد استراتيجية أمنية تحقق الأمن لكامل البلاد وامتداد العباد؟ ألم ير هؤلاء جميعا أن حزب البلطجة وربما بلا تزيد دولة البلطجة صارت تسود بقانون انفلاتها وبلطجتها علي المجتمع والدولة, وإذا لم تتحرك الدولة وتنهض بالقيام بوظائفها التأسيسة الأمنية وتوارت, فهل لن يكون أمامنا إلا أن نكون نقابة المسروقين والمروعين والخائفين؟ إلي كل هؤلاء الذين يلوكون كلمة الشرعية ويتحدثون عنها ولا يرون إلي أي حال انفلات وصلنا, وبدت معه بروز سطوة دولة البلطجية التي تعد تشكيكا في جوهر شرعية الدولة للقيام بوظيفتها الأمنية والتأمينية! أفيقوا يرحمكم الله.