
قد يختلف المهتمون بتشخيص أزمة الأمة، من أنها أزمة علم ومعرفة أو عقل وفكرٍ وإدراك، كما يشخصها بعض الباحثين والمفكرين بأنها أزمة تخطيط سليم وتنظيم حكيم لأهدافنا وطموحاتنا، كما قد يؤكد البعض أنها أزمة برامج ومشاريع تربوية وحضارية معاصرة تحتاج الأمة – في ظل الظروف القاسية التي تمر بها، والتحديات التي تحيطها- إلى مشاريع حضارية راقية تحفظ لها كيانها السياسي ووجودها الاقتصادي والعسكري، وثروتها الفكرية والثقافية، وتضمن لها جيلًا واعيًا راشدًا، جامعًا بين الوعي والسعي.
قد يكون كل ذلك محل اختلاف، إلا أن الأمر الذي لا يجوز الاختلاف عليه أن المشروع الحضاري للأمة الواحدة المؤكدة على معنى جامعيتها يقوم في الحقيقة على تراثها وأصولها، ومن قيمها ومبادئها، ونجاح هذه الأمة يعتمد بصورة أساسية على مدى أصالة هذا التراث وهذه القيم، واستثمار كل إمكانات هذه الأمة ومكنوناتها، فتحولها إلى مكنة ومكانة وتمكين.
وفي هذا المقام؛ فإن هذه الرؤية الكلية هي التي تجعلنا نتعرف على حقيقة هذه الظاهرة في عمقها ومحاولة كشف مكنوناتها والمستور فيها والمسكوت عنه في رؤيتها ودراستها وتحليلاتها.
هذه الرؤية المنظومية إنما تحاول أن تخضع مثل هذه الظاهرة للتعامل الرصين القادر على التحليل المعمق والمنظم والتفسير الأكثر بيانًا ونبيينًا.