بقلم/ د. وصفي عاشور أبو زيد..أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية
…
لتحميل الدراسة بصيغة PDf: اضغط هنا
الملخص التنفيذي للدراسة
تُعَد هذه الدراسة قراءة تحليلية عميقة لكتاب الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، والذي يحمل عنوان “قاموس المقاومة: طوفان الأقصى ومركزيته في التغيير الكبير القادم“.
سياق ظهور الكتاب وأهميته جاء الكتاب في ضوء التحول الذي أحدثه حدث “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر سنة 2023م، والذي لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كان زلزالًا حضاريًا شاملًا أعاد رسم خرائط الوعي في الأمة والعالم. وقد كشفت هذه اللحظة الفارقة الحقيقة الكبرى: أن المعركة تدور بين رؤيتين للحياة والحضارة. ومن هنا، فإن الكتاب يمثل مشروعًا مفاهيميًا متكاملًا يسعى إلى تحرير لغة المقاومة من شوائب الخطاب المهيمن، وبناء قاموس حضاري يعيد للمصطلح روحه وللأمة لغتها الجامعة. وهو عمل فكري وموسوعي رصين يقدم للأمة معجمها المفقود.
موقع الكتاب في المشروع الفكري للمؤلف يقع هذا الكتاب ضمن السياق الممتد للمشروع الفكري للدكتور سيف الدين عبد الفتاح، والذي ينهض على ثلاثة أعمدة كبرى: الفكر المقاصدي، وفلسفة العمران الحضاري، والمقاومة والتحرير. ويعتبر الكتاب حلقة متقدمة تُقدّم الإطار المفهومي الذي تتساند عليه بحوثه السابقة، وتوسع آفاقها لتواكب اللحظة التاريخية الراهنة. وقد أدرك المؤلف حاجة الأمة الماسة إلى تحرير المصطلح من قبضة العدو وروايته، لأن المعركة اليوم لا تدور بالأسلحة وحدها، بل في ميادين اللغة والرمز والمفهوم، والكتاب يقدم سلاح المفاهيم الذي لا يقل خطورة وتأثيرًا عن سلاح البندقية.
البناء العام للكتاب انتظم الكتاب في بناء مُحكَم، فرغم أنه جُمع من مقالات، إلا أن أجزاءه متساندة كبنات القلعة الراسخة. يتكون الكتاب من:
1. مقدمة تأسيسية: تضع القارئ أمام حقيقة أن الصراع حضاري وجودي وظيفي، ولا يُفهم إلا في ضوء المعادلة الرباعية (المكان، الزمان، التدبير، الالتزام).
2. الفصول التسعة المتتابعة: تبدأ بتحرير مفهوم المقاومة من زوايا متعددة (الفيزيائية، الحيوية، اللغوية، والسننية)، ثم يبني الشجرة المفهومية الباسقة للمقاومة. ينتقل بعد ذلك إلى تفكيك معجم العدو وفضح التطبيع والتصهين و”وعد إبراهام” المزيف، وتحليل أدوات الحرب النفسية والإعلامية المضللة.
3. النماذج الملهمة: يسوق الكتاب رموزًا تجسدت في بشر، كنموذج للصحفي المقاوم وائل الدحدوح، ونموذج المجاهد الشهيد أبو العبد (إسماعيل هنية)، ورمزية عصا القيادة لدى يحيى السنوار.
4. الاستشراف المستقبلي: يختتم فصوله بالبعد الاستشرافي، حيث يربط بين فقه الفرصة ومسار الأمة وبين طوفان الأقصى وطوفان الأمة، ليضع خطوطًا عريضة لمعارك جامعة وأفق حضاري ممتد.
5. خاتمة جامعة: تلخص الرسالة الكبرى للكتاب، وتضع القارئ أمام خيارين مصيريين: إما أن تكون الأمة حاملة لرسالة الشهادة والشهود، وإما أن تركن للوهن وتخسر وجودها ورسالتها.
المفاتيح النظرية للكتاب اعتمد المؤلف خمسة مفاتيح نظرية حيوية منحت الكتاب عمقه وقدرته على تحريك الوعي:
1. المعادلة الرباعية (المكان والزمان والتدبير والالتزام): وهي قاعدة عملية تبني عليها الأمة استراتيجياتها لتجنب ضياع البوصلة.
2. الشجرة المفهومية للمقاومة: شجرة غائرة الجذور في كلمة التوحيد، متفرعة الأغصان في الجهاد والتدافع والمقاطعة والعلم والوعي.
3. فقه الفرصة: اعتبار “طوفان الأقصى” فرصة تاريخية يجب اغتنامها وتحويلها إلى رافعة استراتيجية للمشروع المقاوم في أبعاده العسكرية والمعنوية والحضارية.
4. التحول من الظاهرة إلى النموذج: ارتقاء الانتفاضة والمقاومة من مجرد حدث عابر إلى نموذج تشغيلي راسخ تتعلم منه الأمة وتستبصر به.
5. تحرير المفهوم: إثبات أن المقاومة ليست مجرد شعار، بل هي قانون حياة (باستدعاء مقاربات فيزيائية وحيوية ولسانية وشرعية)، وأن الأمة الحية هي التي تقاوم.
القيمة العلمية والجدة يكتسب الكتاب قيمته لكونه أول محاولة منهجية لصياغة “قاموس مفاهيمي” للمقاومة، متجاوزًا السرد التاريخي والتحليل السياسي. وتتجسد جدته في:
• توسيع ميدان المقاومة: لتشمل الفضاء الحضاري كله، من الفكر واللغة والمصطلح إلى الإعلام والسياسة والثقافة.
• استحضار أدوات غير مألوفة: كإدخال أدوات الفيزياء والبيولوجيا واللسانيات إلى جانب السنن الحضارية ليبرهن أن المقاومة قانون حياة.
• الربط بين التنظير والتجربة: حيث يسند التحليل المفهومي بنماذج بشرية حية ورموز من الميدان (الدحدوح، أبو العبد، السنوار)، ليؤكد أن القاموس ليس كلمات على الورق بل دماء تجري في العروق.
قواميس الصراع والمفارقة الكبرى أبرز ما تفرد به الكتاب هو إقامته لمقابلة واعية بين قاموسين:
1. قاموس العدو: يضم التطبيع، والتصهين، والإبراهيمية المزوّرة، والحرب النفسية والإعلامية التي تسعى إلى تفكيك المناعة الحضارية للأمة.
2. قاموس المقاومة: قوامه الجهاد، والتدافع الحضاري، والمقاطعة (كسلاح شعبي)، وعلماء الطوفان، ورموز الشهادة، والانتفاضة كنموذج تشغيلي.
المفارقة الكبرى هي أن الأمة لا تُهزم فقط إذا هُزمت في الميدان، بل إذا انهزمت في معركة قاموسها وسمحت لمصطلحات العدو باستيطان عقلها ولسانها. ولذا، فإن “قاموس المقاومة” هو مناعة لغوية وفكرية تُحصّن الأمة وتوّجه وعيها.
النماذج الملهمة كأيقونات حضارية لترسيخ الأبعاد الحضارية للمقاومة، يسوق الكتاب ثلاثة نماذج حية:
• وائل الدحدوح: أيقونة الإنسان المقاوم، الذي جسّد بقوة صوته وابتسامته أن الإعلام المقاوم الأمين سلاح لا يقل أثرًا عن البندقية، وأن الكلمة الحرة شهيدة.
• أبو العبد (إسماعيل هنية): أنموذج المجاهد الشهيد، الذي يؤكد أن الشهادة ليست نهاية بل بداية، وأن دماء الشهداء هي الحبر الذي يُكتب به قاموس المقاومة.
• يحيى السنوار ورمزية العصا: تحوّلت العصا في يده إلى رمز حضاري يجسد الثبات والقيادة والصمود، ودلالة على أن القائد المقاوم لا يحتاج إلى بهرجة أو ألقاب، وأن قوته في بساطته والتصاقه بالناس.
الخلاصة القيمة والبعد الاستشرافي يُعَد الكتاب إضافة نوعية ومفصلية في أدبيات المقاومة، لأنه غيّر زاوية النظر إليها من حدث عسكري إلى مشروع حضاري شامل. وهو لا يكتفي بالتحليل، بل ينطلق إلى الاستشراف الحضاري. فباستخدام “فقه الفرصة”، يحث المؤلف على الانتقال من رد الفعل الحالي إلى بناء خطة استراتيجية لمواجهة “طوفان الأمة” القادم، والذي سيتخذ طابعًا شاملًا في ميادين الفكر والاقتصاد والإعلام.
إن الكتاب، في المحصلة، يصلح لأن يكون مادة فكرية وتربوية وأكاديمية، ودليل عملي للإعلاميين والمثقفين، كما يعيد للقارئ العادي إحساسه بأن المقاومة ليست حكرًا على المقاتلين، بل هي واجب جماعي ومشروع حضاري يشارك فيه كل فرد [45، 46، 51]. إنه منارة تهدي السفينة وتفتح أفقًا للأجيال القادمة أبعد من رد الفعل الحالي.
لتوضيح العلاقة بين فقه المقاومة والحياة: يمكن تشبيه الرؤية التي يقدمها الكتاب للمقاومة بـ جهاز المناعة في الجسم الحي. فكما أن جهاز المناعة (المقاومة الحيوية) لا يقتصر على مواجهة الغزاة العسكريين (البكتيريا والفيروسات) فحسب، بل يعمل أيضًا على بناء الذاكرة المناعية والحماية الإدراكية (المقاومة الفكرية واللغوية)، فإن الأمة عندما تتوقف عن المقاومة، لا تعلن هزيمتها العسكرية فقط، بل تعلن موتها الحضاري، لأن المقاومة هي قانون حياتها وشرط بقائها.
لتحميل الدراسة كاملة: اضغط هنا